للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شك أنه ذوق حفني، وكثرة محصوله من الأدب نثره وشعره، وما كان فيه من حالة نفسية عاطفية قد أضفى على القطعة كلها جو من القوة، وجماله الرونق.

وكان حفني مولعًا بالسجع، متمكنًا فيه كل التمكن، ولذلك لم يعدل عنه رسائله، بل كان يحرر به المقالات، وينشئ المقامات، وفي أخريات تلك الحقبة اشتدت الحملة على السجع ممن أرادوا تحرير النثر من قيوده، وكان ذلك طبيعيًا لتطور العقول، وتحررها من مخلفات الماضي، وازدياد صلتها بالثقافات الأجنبية، ولطور المقالة الصحفية بمختلف أنواعها، فلم لا تسلك ألوان النثر الأخرى مسلكها، ولقد كان حفني يمثل الفريق المحافظ في هذا الصراع بين الثقافتين، ولذلك سجل رأيه في السجع واضحًا فقال:

"أخذوا في ذم السجع والمقفى، وأطلقوا القول في تهجينه، وضللوا المتقدمين من المنشئين، وأئمة الأدب وفرسان البراعة، ولا أقول: إن ذلك ناشئ عن عجزهم وقلة بضاعتهم في ذلك الشأن، فأخذوا يحسنون به القبيح ويقبحون الحسن، سفسطة على العالم، ومغالطة اللناس ومن جهل شيئًا عاداه، بل أقول: إن هذا إطلاق في مقام التقييد، وإرسال للعنان في موضع الإمساك، وإجمال في ساحة التفصيل، والحق أن لكل مقام مقالًا، وأن السجع والتقفية، قد يلبسان القول حسنًا، ويكسبانه رونقًا لا ينهض به تفلسفهم المسجوع، وسفسطتهم الباردة.

نعم إن بعض القاصرين من النشئين قد يضطره الازدواج، وتحكم عليه القافية، فيأتي بألفاظ عن الغرض، أو يعقد الكلام فلا يفي بالمرام، فكانوا -لو أنصفوا- يجعلون هذا محط تهجينهم، ومرمى قذفهم، فإن الحشو مذهب لانتظام القول، مضيع لزينته.

فالغاية أنه يلزم المنشئ أن يكون كلامه وافيًا بالغرض، مؤديًا للمطلوب في سياق مناسب لاختلاف المقامات وتباين الدواعي، فإن سهل عليه ذلك مع مراعاة السجع، والقافية كان أدخل في تمكين المعاني في الأذهان، وأنشط للأسماع.

<<  <   >  >>