كدورة الأيام، ووفيت على خيانة الأنام، فإن عدلت وما عدلت فعلى الدنيا السلام".
وفي هذه الرسالة متانة وعلى الرغم من أنها مسجوعة، وفيها جناس متعمد في بعض فقرها، إلا أنها تذكرنا برسائل الكتاب في القرنين الثالث والرابع.
هذا ولو رحنا نتبع كتاب الرسائل في مصر والشام في أخريات القرن التاسع عشر، وجدنا أكثريتهم تصطنع في الرسائل ذلك الأسلوب المحتفى به، الذي تختار كلماته بدقة، ويتضمن ألوانًا من الخيال التفسيري، وبعض البديع وبخاصة الجناس، وكثير منهم كان يؤثر السجع، فإن لم يتيسر فالمزاوجة.
ولا شك أن ذلك الأسلوب زاد اللغة قوة، ودفعها إلى الأمام، فلم تنتكس وتعود إلى عصور الضعف، وهو مقبول في النثر الأدبي، وما من أديب في تلك الفترة إلا كان له جولات في ميدان المراسلة، بيد أن أسلوب الرسائل أخذ يخف منه السجع تدريجيًا منذ أوائل القرن العشرين، وإن حافظ على قوة ديباجته، وحسن صياغته.
هذا وقد ظهرت عدة كتب في تلك الفترة آثر أصحابها أن يكتبوها بالأسلوب المسجوع، المحلى بأنواع الزخارف والبديع على اختلاف بينهم في مقدارها، وتعد من الكتب الأدبية الجديرة بالدراسة؛ لأنها تمثل طورًا من أطوار النثر الأدبي، ومن ذلك حديث عيسى بن هشام للمويلحي الذي ساقه على طريقة المقامة، وأسواق الذهب لشوقي أمير الشعراء، وليالي سطيح لحافظ إبراهيم، وصهاريج اللؤلؤ للبكري.