ويمضي شوقي في الوصف ويتكلم على من عبر القناة من الأنبياء كإبراهيم وموسى وعيسى، وعمرو بن العاص والإسكندر، وصلاح الدين ونابليون، وإبراهيم "باشا" في عرض شائق، وغوص إلى أعماق التاريخ، واستحضار لمشاهده حتى كأنك حاضره، وكأنك تسمع قصيدة عصماء من قصائد شوقي التاريخية بكل ما فيها من روعة، وحلاوة.
وفي الموضوعات الاجتماعية، والآفات الإنسانية لا يطيل التحليل، ولا يتعمق في التعليل، وإنما يورد رأيه، ويصور الآفة تصويرًا يبشعها وينفر منها، داعما آراءه بالحكمة يسوقها محكمة رصينة، خذ مثلًا قوله عن الظلم:
"قليل المدة" كليل العدة، وإن تظاهر بالشدة وتناهى في الجدة، عقرب بشولتها مختالة، لا تعدم نعلًا قتالة، ريح هوجاء لا تلبث أن تتمزق في البيد، أو تتحطم على أطراف الجلاميد، فتبيد، جامع راكب رأسه، مخايل ببأسه، غايته صخرة يوافيها، أو حفرة يتردى فيها، سيل طاغ لا يعدم هضابًا، تقف في طريقه، أو هادًا تجتمع على تفريقه، جدار متداع، أكثر ما يتهدد، حين يهم أن يتهدد هو غدا خراب، وكومة من تراب، نار مقطعة المدد، وإن سدت الجدد، وملأت البلد، يأكل بعضها كنار الحسد".
فيصف الظلم بأنه عقرب ستداس بالنعال، وريح ستتمزق في البيد أو تتحطم على الصخور، والظالم يركب رأسه لا يستمع لنصح، وغايته أن تتحطم رأسه على صخرة عناده، أو يتردى في حفرة خيلائه ... إلخ.
وفي هذا تنفير من الظلم، وتقديم الموعظة للظالم وتهديده، وتعزية للمظلومين فالظلم جدار متداع أكثر ما يتهدد حين يهم أن يتهدد، هو غدا خراب وكومة من تراب، وكأني به يدعوهم للصبر، ويقول لهم: إن يوم الظالم قريب.
ويرى شوقي من بين الآفات الاجتماعية المتفشية بين شبابنا اعتقادهم أن الشهادة هي جواز المرور إلى الحياة، فإن حصلوا عليها انصرفوا عن القراءة ومزقوا الكتب، ولم يفيدوا شيئًا من تجارب الحياة، ويصيبهم الغرور لنيلهم الشهادة