الدراسية، فيعتقدون أن لديهم علم الأوائل والأواخر، فيقول شوقي مسديًا إليهم نصيحة الحكيم الذي عرك الحياة وعركته:
"وما بال الناشئ وصل اجتهاده، حتى حصل على الشهادة، فلما كحل بأحرفها عينيه، وظفر بزخرفها، هجر العلم وربوعه، وبعث إلى معاهده بأقطوعة، طوى الدفاتر، وترك المحابر، وذهب بخايل ويفاخر، ويدعي علم الأوائل والأواخر؟
فمن ينبيه، بارك الله فيه، لأبيه، وجزى سعى معلمه ومربيه: أن الشهادة طرف السبب، وفاتحة الطلب، والجواز إلى أقطار العلم والأدب، وأن العلم لا يملك بالصكوك والرقاع، وأن المعرفة عند الثقات غير وثائق الإقطاع، ومن يقول له أرشده الله: إن شهادة المدرسة غير شهادة الحياة؟ فيا ناشئ القوم، بلغت الشباب، ودفعت على الحياة الباب، فهل تأهبت للمعمعة، وجهزت النفس للموقعة، ووطنتها على الضيق بعد السعة، وعلى شظف العيش بعد الدعة؟ دعت الحياة نزال فهلم اقتحم المجال، وتزود للقتال، أعانك الله على الحياة، إنها حرب فجاءت، وغدر وبيات وخداع من الناس والحادثات، فطوبى لمن شهدها كامل الأدوات، موفور المعدات، سلاحه صلاحه، وترسه دربته، ويلبه أدبه وصمصامته استقامته، وكنانته أمانتاه، وحربته وداعته".
وإذا كان المضمون كما رأيت يزخر بالحكمة البالغة، والنصيحة الصريحة، فإن الأداء على الرغم مما به من سجع، وجناس كان أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، له رنين محبب في الأذن، ودل على ذوق شوقي، وحسن تأتيه في إيراد الكلمات واختيارها، يزين كل ذلك خيال شاعر، وعاطفة الشفقة، والمنفعة العامة للوطن.
أما تأملاته في بعض المعنويات، والقضايا الكلية، فمنها ما ردده القدماء، ومنها ما خاض فيه غير متأثر برأي سواه، فكلامه عن الحياة يشبه ما أثر عن الإمام علي في نصيحته لضرار الصدائي من "أنها حلوة مرة، عواقبها نغص، ومشاربها غصص، وأنها أفعى خداعة ولذة لذاعة".