والذي بيمينه عود قصب، وبشماله منديل مملوء بالخضر، مما أخذه من الباعة اغتصابًا، وجاء الشرطي وأبى إلا أن يأخذ الباشا إلى "القسم" ويجره إليه جرًا.
ودخل الباشا في تحقيقات لا تنتهي، وهنا يتعرض المويلحي لوصف رجال الإدارة والنيابة والمحامين والقضاة، وينتقد هذا النظام نقدًا مرًا ويسلق بقلمه الحاد هؤلاء الشبان الذين يلون أمور الناس، وهم على حظ كبير من التطري والتخنث والاهتمام بشئون لهوهم ومرحهم، والاستهتار بكل القيم الجميلة وبمصحلة الجمهور، ويبين تفشي الرشوة، وفساد الأخلاق وتحللها.
حبس الباشا دون أن يجد من يسمع شكاته، وزور عليه الاتهام بأنه ضرب أحد رجال الشرطة بجسمه؛ لأن الرجل كان قد أعياه التعب فوقع على أحد الجنود، وهو يمسح أرض القسم، فاتهمه هذا بأنه ضربه وهو يؤدي وظيفته الرسمية، وشهد الشهود فكان ضرب المكاري وضرب الجندي مما زج به في سجن الشرطة.
فإذا أحيل الباشا إلى النيابة، واضطر إلى أن يذهب إلى قلم "السوابق وتحقيق الشخصية"، يصف المويلحي ما يتعرض له الإنسان في هذه المصلحة من المهانة والامتهان، فإذا انتهى الباشا من هذه المحنة سأل صاحبه: أين نحن الآن، ومن هذا الغلام، وما هذا الزحام؟، فيجيبه بأنهم أمام النيابة، وهذا عضو النيابة، وهؤلاء أرباب الدعاوى، فيسأله من النيابة؟ فيفسرها له: بأن النيابة في هذا النظام الجديد هي سلطة قضائية مكلفة بإقامة الدعاوى الجنائية على المجرمين بالنيابة عن الهيئة الاجتماعية، فيسأل عن الهيئة الاجتماعية، ويعرف أنها مجموعة الأمة، وهناك يقول:
الباشا: ومن هذا الأمير العظيم الذي اتفقت الأمة عليه لينوب عنها.
عيسى بن هشام: ليس هذا الذي تراه بأمير ولا بعظيم من عظماء الأمة، وإنما هو أحد أبناء الفلاحين أرسله أبواه إلى المدارس فنال الشهادة، فاستحق النيابة فتولى في الأمة ولاية الدماء والأعراض والأموال.