ثم يزهو، ويفتقر ثم يفتخر، فتساوى السيد والمسود، وتشابه الحاسد والمحسود، وتعادل الرفيع والمنيع، والوضيع، واشتركنا كلنا على السواء في منازل الشدة والبلاء، وأصبح نصيب القوي المكين مثل نصيب الضعيف المستكين، وكذلك تكون عاقبة من يلقي للأجنبي بيديه، ومن أعان ظالمًا سلط عليه.
ومن يجعل الضرغام بازا لصيده ... تصيده الضرغام فيما تصيدا
لم يدع المويلحي شيئًا فيمصر إلا عرج عليه ووصفه مادحًا أو قادحًا.. أبناء الكبراء، وكبراء العصر الماضي، والمحامي الشرعي وفساده وكان رأيه في هذه الطائفة أيامهس في غاية السوء، وزارة الأوقاف وما فهيا من مآس ومفاجع، المحكمة الشرعية والطب والأطباء والإسكندرية، والأمراض المتفشية والفرق بين العامة والخاصة في طرق العلاج والقدرة عليه، ويقوم بعزلة أدبية أو سياحة فكرية مع الباشا، فيطلعك على جواهر محفوظه، وطرف نوادره، وزهد الناس بمصر في القراءة، ويظهر أنها ظاهرة قديمة منذ عصر المويلحي وربما لأبعد من هذا، ولا يفوته أن يتكلم عن الأزهر ويروي مناقشات العلماء وجدلهم في مشكلات لفظية والمحرم والحلال والبدعة، والضلال مما يرونه من مظاهر الحياة المعاصرة لهم، ويتهكم بهم تارة ويرثي لهم تارة أخرى، وينعي عليهم عيهم وبكاءة ألسنتهم، ويتناول الأعيان والتجارة ويصف أنماطهم وأحوالهم، ثم الموظفين، وأنواعهم، وعيونهم، وفسادهم.
ويتكلم عن أبناء الأسر الحاكمة، وبطالتهم وفراغهم العقلي والنفسي، واستغلال الأجانب والمرابين لهم أشد استغلال وأسوأه، ويتكلم عن مشاهد العرس فيمصر وما دخل فيها من البدع وتقليد الفرنجة، ويتكلم عن العمد والقرى، وعن العمدة في القاهرة وفي المطعم وفي المرقص وفي الرهن ولدى الأهرام وفي الملاهي، والمدينة الغربية ومساوئها.
لقد أعطى المويلحي صورة متكاملة للمجتمع في عصره، ومع روح نقدية بناءة، في أسلوب أدبي طريف يلجأ إلى السجع في الوصف الخالص وإلى الأسلوب المرسل في الحوادث والحوار، وهو كما ذكرنا مزيج للثقافتين العربية