ويتهكم برجال الأزهر لبعدهم عن الكتابة في الصحف، فيقول: علماؤنا ومشايخنا- يغفر الله لهم هم أبعد الناس عن اختيار هذه الطريق، وممارسة هذه الصناعة، وهم يرون الاشتغال بها بدعة من البدع، ويعتبرونه فضولًا تنهى عنه الشريعة، وتداخلًا فيما لا يعني، فلا يأبهون بها، وربما اختلفوا في كراهة الإطلاع عليها أو إباحته، وقد مارس هذه الصناعة قوم آخرون غيرهم فيهم الفاضل وغير الفاضل، واتخذها بعضهم حرفة للتعيش بها، والتكفف على أية حال كانت، فلا تجد بينهم وبين أهل الحرف وباعة الأسواق فرقا في الغش والخداع والكذب، والنفاق والمكر والاحتيال للاستلاب والاغتيال.
عمروا موضع التصنع فيهم ... ومكان الإخلاص منهم خراب
أما وطنيته فتتجلى في مواطن كثيرة، في حرصه البالغ على أن يؤدي كل إنسان عمله على الوجه الأكمل، في كراهيته للاستعمار وأذنابه، في حملته الشديدة على استغلال الأجانب لخيرات البلاد إلى غير ذلك من الموضوعات الوطنية الصادقة، خذ مثلًا قوله في الموازنة بين المصري والأجنبي في محاورة بين الباشا والمحامي:
المحامي: أيها الأمير لا تغبط المصري على نعمته، وتعال فابك من نقمته، فليس له في هذه الجنة من دار، يقر له فيها قرار، وكل ما تراه من هذا الجانب فهو ملك الأجانب.
الباشا: لله أبوك، كيف يختص الأجنبي دون الوطني بهذه الجنان الناضرة، ويستأثر دونه بهذه المساكن الفاخرة؟، ولعلك تلغز في قولك وتحاجي، وتعمي في تعبيرك وتداجي.
المحامي: لا تعمية ولا تحجية، بل هكذا قدر المصري لنفسه، وتبدل سعده بنحسه، واقتنع من دهره بالدون والطفيف، ورضى بالقسم الخسيس الضعيف، فبات محرومًا تحت ظل إهماله وخموله، وغدا بائسًا في نسيانه وذهوله، ومال زال الأجنبي يسعى يكد ويعمل ويجد، وينال ثم يطمع، ويسلب ثم يجمع، والمصري يبذر بجانبه ويسرف، ويبدد ويتلف، ويتحسر ثم يلهو، ويعجز