يتكلم مثلًا عن المحاماة في مصر، وكيف أنها صناعة شريفة يمارسها كثير من فضلاء القوم، ولكن قد دخل في الصناعة جماعة اتخذوا الخداع والاحتيال بضاعة للكسب، وهؤلاء بعينهم هم الذين عناهم علاء الدين الكندي بقوله:
ما وكلاء الحكم إن خاصموا ... إلا شياطين أولو باس
قوم غدا شرهم فاضلا ... عنهم فباعوه على الناس
وكان ذلك بسبب سمسار المحامي الذي أراد أن يستغل الباشا أسوأ استغلال لولا يقظة عيسى بن هشام.
ويصف ساحة المحكمة وقت التقاضي فيقول: ولما حل يوم الجلسة رافقت الباشا إلى المحكمة، فوجدنا في ساحتها أقوامًا ذوي وجوه مكفهرة، وألوان مصفرة، وأنفاس مقطوعة، وأكف مرفوعة، وشاهدنا باطلًا يذكر، وحقًا ينكر، وشاكيًا يتوعد وجانبًا يتودد، وشاهدًا يتردد، وجنديًا يتهدد، وحاجبًا يستبد، ومحاميًا يستعد، وأما تنوح وطفلًا يصيح، وفتاة تتلهف وشيخنا يتأفف، وسمعنا ألفاظًا متناقضة وأقوالًا متعارضة، ورأينا المحامين عن الخصمين يشحذ كل منهما لسانه ويقدح جنائه، استعدادًا للنزال في ميادين المقال، وتأهبا للدافع في مواقف النزاع ... إلخ".
ثم يصف القضاء وتعدده فمحاكم شرعية، وأهلية، ومختلطة، ومجالس تأديبية وإدارية وعسكرية ومحاكم مخصوصة، فقال الباشا، ما هذا الخلط وما هذا الخبط؟ سبحان الله هل أصبح المصريون فرقًا وأحزابًا، وقبائل وأفخاذًا وأجناسًا مختلفة وفائت غير مؤتلفة وطوائف متبددة، حتى جعلوا لكل واحدة محاكم على حدة، ما عهدناهم كذلك في الأعصر الأول مع دولات الدول، وهل انطمست تلك الشريعة الغراء، واندرست بيوت الحكم والقضاء؟ اللهم لا كفران، ولعن الله الشيطان.
ويصف القاضي وضيق صدره وتبرمه من سماع المرافعة، أو الشرح لا لكثرة القضايا التي أمامه فحسب ولكن؛ لأنه مدعو إلى وليمة بعض رفاقه عند الظهر تمامًا، ونتيجة عدم استماعه حكم على الباشا بالسجن سنة ونصف؛ لأنه ضرب المكاري.