للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجبروا على أداء الزكاة -تلك التي حاربهم عليها أبو بكر رضي الله عنه- لاستقامت الأمور بعض الشيء في مصر.

لقد وهت عروة الدين، وطغت الحياة المادية على النفوس -إلا من رحم ربك- وعطلت الزكاة، وبطل حكم الشرع، ولا يفكر الحاكم في إعادته، وقد جهد الاستعمار في توسيع الشقة بين طبقات الشعب ليوجد حالة من التذمر والسخط، حتى يلجأ الناس إليه مستجيرين من ظالمهم، ولم تكن الأفكار الاشتراكية الحديثة قد ظهرت بعد في مصر، ولو عرفها بعض المثقفين لما كان لمعرفتهم قيمة.

ولكن الذي لا ريب فيه أن المنفلوطي كان يشعر شعورًا حادًا بهذا البؤس الاجتماعي، وإن الصورة التي عرضها لفوضى الإحسان في مصر، لتدل على كثير، تدل على أن هذا الشعب فيه خيرون، ولكن فيه كذلك جشعون وجاهلون، وقد سلك الخيرون طرقًا خاطئة لبذل خيرهم، وربما كان ضرر إحسانهم أكثر من نفعه، على أن المسألة ليست مسألة إحسان كما سنوضح فيما بعد حين نفرغ من تلك الصورة التي قدمها المنفلوطي مظهرًا لمظاهر البؤس والفاقة بمصر.

تأثر المنفلوطي في منهجه هذا بآراء من سبقه من الكتاب والمصلحين في هذا الميدان، وبخاصة مدرسة جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وكان من أشد رجالها حماسة في هذا الميدان عبد الله النديم، وأديب إسحاق كل على طريقته في الأداء، وحظه من الثقافة.

كان المنفلوطي ذا نزعة اشتراكية، ولكنه لم يعرف كيف يوضحها كما نفهمها اليوم، أو كما قررها الإسلام كاملة١، ولننظر إلى بعض تلك الصور البيئية التي عرضها المنفلوطي، ففي مقاله "قتلة الجوع" يقول: "قرأت في بعض الصحف منذ أيام أن رجال الشرطة عثروا بجثة امرأة في جبل المقطم قتيلة، أو منتحرة حتى حضر الطبيب ففحص عن أمرها، وقرر أنها ماتت جوعًا.


١ انظر بحثنا عن الاشتراكية والإسلام من مطبوعات جامعة القاهرة -وانظر كذلك: اشتراكية الإسلام للدكتور مصطفى السباعي.

<<  <   >  >>