أو أصابته كارثة تجهم وجه الدور، وسدت دونه الأبواب، وذهبت وجاهته سدى، ولن يثاب على ما قدم من إحسان؛ لأنه لم يقصد به وجه الله.
ولقد كان المنفلوطي متحمسًا وهو يوازن بين "الكوخ والقصر"، وفي تلك المقالة يقول:"أنا لا أغبط الغنى إلا في موطن واحد من مواطنه إن رأيته يشبع الجائع، ويواسي الفقير، ويعود بالفضل من ماله على اليتيم الذي سلبه الدهر أياه، والأرملة التي فجعها القدر في عائلها، ويمسح بيده دمعة البائس والمحزون، ثم أرثى له بعد ذلك في جميع مواطنه الأخرى.
أرثى له إن رأيته يتربص وقوع الضائقة بالفقير ليدخل عليها مدخل الشيطان من قلب الإنسان، فيمتص الثمالة الباقية له من ماله ليسد في وجهه الأمل" -ثم يروح يعدد مواطن كثيرة لهذا الغني الكنز، الذي استلت من قلبه الرحمة يرثي له فيها.
وفي مقالة "الغني والفقير" يقول: "مررت ليلة أمس برجل بائس فرأيته واضعًا يده على بطنه كأنما يشكو ألمًا فرثيت لحاله، وسألته: ما باله؟ فشكا إلي الجوع، ففثأته عنه ببعض ما قدرت عليه، ثم تركته وذهبت إلى زيارة صديق لي من أرباب الثراء والنعمة، فأدهشني أني رأيته وضاعًا يده على بطنه وأنه يشكو من الألم ما يشكو ذلك البائس الفقير، فسألته عما به؟ فشكا إلى البطنة، فقلت: يا للعجب! لو أعطى ذلك الغني ذلك الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقمًا ولا ألما".
وكأني به كان ينظر إلى الحديث الشريف حيث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا مترفًا متخمًا، قد امتد بطنه أمامه من ترفه وجشعه، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بطن هذا الرجل، وقال له:"لو كان هذا في غير هذا المكان لكان خيرًا لك".
وكأني به كذلك قد نظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم".