ولعل المنفلوطي نظر إلى المجتمع الإسلامي في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أو عهد عمر بن عبد العزيز، وقد جبيت الزكاة في إحدى السنوات في عهده، فلم يجد من يستحقها: ومهما يكن من أمر، فلقد أشار إلى التفاوت الطبقي بمصر الذي يميز بعض الناس عن بعض في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم، ذلك التفاوت الذي أدى إليه الإقطاع الزراعي المقيت في سالف الأيام حتى قضت عليه ثورة يوليو ١٩٥٢، والذي جعل من الناس سادة وعبيدًا.
وعلى كل فالمنفلوطي كان قوي العاطفة، شديد الإحساس بآفة الفقر، وسفح قلبه دموعًا حارة على ما يعانيه البائسون ولكنه وقد وصف الداء، حام حول الدواء الناجع الذي يقضي باستئصال الآفة من أعماقها ولم يصل إليه، فالمسألة ليست مسألة إحسان وأريحية وجود يتقدم بها الأغنياء للفقراء، إن شاءوا أعطوا، وإن شاءوا منعوا، ولكنها مسألة حق معلوم للسائل والمحروم، فرضها الله في كتابه، وفرضتها الإنسانية الصحيحة الطاهرة، وحارب أبو بكر من امتنع عن أداء هذا الحق، إنها اشتراكية سمحة كان يحلم بها في منامه، ولم يدر أن الزمن ستدور دورته، وأن الثورة ستأتي فتنصف المظلوم من الظالم وتحاول إذابة الفروق بين الطبقات قدر المستطاع، وتوفر الغذاء للفقراء، وتديل دولة الطغاة، وتحقق قدرًا كبيرًا من المساواة.