- لا بد أن يكون فيكم العاجز عن العمل، والمتعطل الكسلان.
- أما الكسلان فلا وجود له بيننا؛ لأنه يعلم أنه لا نرحمه، ولا نغفر له زلته في احتقار نعمة العقل والقسوة بتعطيله عن العمل، وأما العاجز فنحدب عليه، ونحسن إليه، ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلًا؛ لأننا إنما نمنحه جزءًا من القوة التي منحنا الله إياها لنعبده بها، ولا نرى وجوه العبادة أفضل من مواساة العاجزين ورحمة البائسين".
- أليس لكم حاكم يتولى أمركم.
- لنا حكم لا حاكم، وهو رجل قد وثقنا به وبفهمه واستقامته، فاخترناه لفصل الخصومات إن عرض لنا من ذلك عارض.
- أليس له جند وأعوان يؤيدونه، ويتولون تنفيذ أحكامه.
-نعم! كلنا جنده وكلنا أعوانه على كل من يختلف عليه، أو يتمرد على حكمه، فقد وثقنا به وبعدله، وحسبنا ذلك وكفى.
وقال المنفلوطي في نهاية رؤياه هذه: "تلك هي مدينة السعادة التي يعيش أهلها سعداء، لا يشكون هما؛ لأنهم قانعون، ولا يمسكون في أنفسهم حقدًا؛ لأنهم متساوون، ولا يستشعرون خوفًا؛ لأنهم آمنون".
هل تخيل المنفلوطي هذه المدينة كما وصفها تخيلًا، أو أنه تأثر بما قرأه عن المدن الغربية في نظامها وحسن تنسيقها، وفسيح شوارعها وحدائق منازلها، وعما اتصف به الأوربيون من الجد والانكباب على العمل، وبما قرأه من سيرة سلفنا الصالح، وتعاليم ديننا الحنيف من أن الإنس سواسية كأسنان المشط: سواسية في الحقوق والواجبات، لا سواسية في الثروة فالله سبحانه قد فضل بعض الناس على بعض في الرزق، ولقد اضطر المجتمع الشيوعي الذي نادى بالمساواة المطلقة في أول عهد الشيوعية أن يعدل عن المناداة بهذه المساواة في المأكل والملبس والمسكن والإنفاق؛ لأنها غير طبيعية؛ لأن الناس متفاوتون في مواهبهم وقدراتهم وذكائهم وعملهم، واجتهادهم فميز الأذكياء عن غيرهم.