للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه لمحة خاطفة عن العوامل التي أثرت في نثرنا الحديث، لم أشأ أن أبسطها بسطا، فقد فعلت ذلك في كتاب الأدب الحديث، وإنما أردت أن أمهد للكلام عن نشأة النثر وتطوره، وستأتي إشارات عند معالجة هذا الموضوع لا تفهم إلا إذا كانت قد مهد لها.

وقيل أن أدع هذا التمهيد أذكر كلمة موجزة عن النهضة في بلاد الشام، إذ كان لأدبائها نصيب غير مجحود في تطوير هذا النثر، وبخاصة الذين هاجروا إلى مصر، واشتغلوا بالصحافة أو بالأدب.

ونقصد ببلاد الشام ما كانت عليه قبل أن يمزقها الاستعمال الغربي عقب الحرب العالمية الأولى إلى تلك الأقسام: سورية، ولبنان، وفلسطين والأردن كانت تلك البلاد تحكم حكمًا مباشرًا من قبل الأتراك يرسلون إليها الولاة يتولون إدارة شئونها، وطلت كذلك إلى أن هزمت تركيا في الحرب العالمية الأولى، وكان حكم الأتراك من أسوأ أنواع الحكم، عرفوا كيف يغزون الشعوب بسيوفهم وجيوشهم، ولكنهم أخفقوا في سياستها وحكمها، ولم يعنوا أية عناية بإصلاح شئونها وتثقيفها، بل إن المدارس التي كانت قبل الاحتلال التركي بدمشق أغلقت بعد دخولهم.

وفي بلاد الشام نصارى كثيرون متعددو الوظائف، كما أن فيها نحلا كثيرة إسلامية وغير إسلامية، وقد أدى سوء الحكم التركي إلى التعصب الديني، ومناهضة هذه الطوائف بعضها لبعض، وكثيرا ما قامت المذابح الدامية بينهم، وكان أفظعها مذابح سنة ١٨٦٠، وقد أدت هذه المذابح إلى تدخل الدول الغربية المسيحية لحماية الطوائف المنتسبة إليها دينيًا، واضطرت تركيا أن تخضع لهذا التدخل، وسلمت الأوقاف الدينية المسيحية لأهلها ينفقون من ربعها على نهضتهم، فأنشأوا المدارس العديدة والكليات، في حين بقي المسلمون متخلفين يعانون من ظلم الأتراك، وإهمالهم لشئونهم ما لا يتصوره العقل، يقسرون على تعلم اللغة التركية في المدارس الحكومية التي لم تتعد المرحلة الابتدائية، فإذا أبوا ذلك دخلوا إحدى المدارس العربية الخاصة على قلتها.

<<  <   >  >>