ثم ينهى المناجاة بالفكرة المطروقة من قديم في الأدب العربي حيث يجمع القمر بين المحبين، وأن الحبيب الغائب يتطلع إلى القمر كما يتطلع حبيبه، فهو الوصلة بينهما كل منهما يناجيه عساء يجعل النجوى، ويبلغ الشكوى، وهو يرى في صورة القمر ومرآته صورة حبيبه النائي، ليزداد شوقًا إليه ووجدًا عليه.
وفي موضوع "الرحمة"، وهو موضوع يتناسب مع رقة المنفلوطي ودقة حسه، وعميق عاطفته، وحدبه على الضعفاء والمساكين يستهله المنفلوطي بقوله:"سأكون هذه المرة شاعرًا بلا قافية ولا بحر؛ لأني أريد أن أخاطب القلب وجهًا لوجه، ولا سبيل إلى ذلك إلا سبيل الشعر".
وهو هنا لا يعالج موضوع ارحمة معالجة اجتماعية منطقية مدعومة بالأدلة، والأحوادث والكوارث ليرفق بها قلوب الهانئين على الضعفاء والمنكوبين، ولكنه يلجأ إلى الخطابة والموعظة المشحونة بالعاطفة.
"ستقول: إني غير سعيد؛ لأن بين جنبي قلبًا يلم به من الهم ما يلم بغيره من القلوب، أجل! فليكن كذلك، ولكن أطعم الجائع، وأكس العاري، وعز المحزون، وفرح كربة المكروب، يكن لك من هذا المجموع البائس خير عزاء يعزيك عن همومك وأحزانك، ولا تعجب أن يأتيك النور من سواد الحلك، فالبدر لا يطلع إلا إذا شق رداء الليل، والفجر لا يدرج إلا من بعد الظلام".
وهو يدعو من رزقوا السعادة، أو الذين يظنون أنفسهم سعداء أن يبكوا لمناظر البؤرس والفاقة:"وليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفقود، فتبتسم سرورًا ببكائك، واغتباطك بدموعك؛ لأن الدموع التي تنحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور، تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء، أنك إنسان".
ويستدل بما تقوم به الطبيعة حيال الإنسان رأفة به ورحمة: "إن السماء تبكي بدموع الغمام، ويخفق قلبها بلمعان البرق، وتصرخ بهدير الرعد، وإن الأرض تئن