فالرسائل من خصائصها الموروثة الإيجاز وسمو العبارة، واصطناع المحسنات، وضروب الخيال التفسيري، إنها نوع من الشعر المنثور، وقد تتضمن تحليل أبيات شعرية، أو الاستشهاد بها، وسنرى ذلك واضحًا في رسائل المنفلوطي، مع عذوبة في ألفاظه، وتسلسل في فكرته.
ولم يترك لنا المنفلوطي في نظراته سوى أربع رسائل:
أولاها: رسالة التقاضي، أو الرجاء لقضاء حاجة، والملاحظ من ناحية الشكل أنه لجأ فيها إلى الجمل الدعائية المعترضة على طريقة مدرسة ابن العميد مثل أعزك الله، وأيدك الله.
ثم قصر الجمل، وتساويها في الطول، ولم يلجأ في الرسالة الأولى هذه إلى السجع إلا نادرًا، ولكنه استخدم الازدواج، وهو تشابه الفواصل في الوزن لا في الحروف.
وفيها بعض الاستعارات الموروثة كقوله: تخرس دونها ألسنة الشكر.
والملاحظ كذلك حسن اختيار الألفاظ، والإيجاز في التعبير، والوصول إلى القصد بدن مقدمات.
أما من ناحية معانيها فقد ورد مثلها كثير لدى القدماء، ورسائل التشفع والرجاء مما حفلت به كتب الأدب، فليس في الواقع بهذه الرسالة معنى جديد أو فكرة مبتكرة، وكل ما هنالك أنه لجأ إلى كرمه وفضله، ولم يلجأ إلى الشفعاء والوسطاء من حاشيته وإخوانه.
أما الرسالة الثانية: فيظهر أنها رسالة إلى حبيب، وإن أخفى المنفلوطي ذلك، فلم يصرح أكان الحبيب رجلًا أو امرأة بيد أن سياق الرسالة يدل على أنها حبيبة كما سنرى.
لقد كان مريضًا وطال مرضه، وأشرف على الموت، ثم عافاه الله منه، ولم يعده ذلك الحبيب، واكتفى بالاعتذار كتابة فأرسل إليه المنفلوطي رسالة يقاطعه فيها.