للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكقوله: فلا أوبة حتى يئوب القارظان، إشارة إلى المثل "لا آتيك أو يئوب القارظان" وهما ابن عنزة، وعامر بن رهم وكلاهما من عنزة خرجًا في طلب القرظ "وهو ثمر شجر السنط" فلم يعودا، هو مثل غريب نادر الاستعمال في القديم والحديث، بل غير مناسب ألبتة في عصرنا هذا لمخالفته للبيئة التي كان عيش فيها المنفلوطي، ولكنه من محفوظه.

أما الرسالة الثالثة: فهي تهكم برجل بخيل تورط في ورطتين: الأولى قد زاره محتال، وما زال يداهنه ويماحله، ويطرق أبواب ضعفه حتى نال بعض رفده، والثانية: أنه قبل الذهاب إلى وليمة فأكل حتى شبع، ثم استمع للغناء بعد العشاء، والمنفلوطي يعجب لهذا التورط، ويسخر منه ومن بخله.

أما في الأولى فيبين له كيف خدعه ذلك المحتال؟ وكيف انتابته تلك النوبة من الكرم، وكيف سمح لدرهمه أن يخرج، وكيف ألمت به هذه الداهية، وكيف وصل هذا الشيطان إلى قلبه، كي يزيده تحسرًا على ما فرط منه، وندما على تلك النوبة من الأريحية.

"وإن أخوف ما أخاف عليك أن تكون أتيت من باب الخدعة الشيطانية التي يسمونها الرحمة، فإن كانت هي فالخطب عظيم والبلاء جسيم"، وهنا لا ينسى المنفلوطي ما في وطنه من المظاهر العديدة التي تستوجب الرحمة، وأن صاحبه هذا على بخله لا يستطيع أن يجابه كل هذه المظاهر، وإنه إن تورط في طريق الرحمة، فسيصير بعد قليل متسولًا مع المتسولين.

فإنك حيثما ذهبت، وأني حللت، لا تقع عينك إلا على يد شلاء، ورجل بتراء، وعين عمياء وصورة شوهاء، وثوب مخرق، وشلو ممزق، وطريح على التراب سقيم، وجسم أعرى من الأديم فإن لم تفارق الرحمة قلبك، فارق المال جيبك، فطفت مع الطائفين، وتسولت مع المتسولين ثم لا تجد لك راحمًا ولا معينًا".

وكأني به يصور له هواجس نفسه، ويعيره بأن الرحمة قد اجتثت من قلبه، وأنه لا عهد له بها، وأنه يخاف من التورط فيها حتى لا تحيله معدما يتسول، يتكفف الناس، كما كان يوهم نفسه بذلك، ويحتج لبخله.

<<  <   >  >>