ويبالغ ويهول فيما يعانيه صاحب الرجاء الكاذب من أهوال أشد إيلامًا "وأنكى وقعًا من النقص الذي يبتلى به عباده: في الأموال والأنفس والثمرات، وما يصيبهم من صاعقة العذاب، وطاغية الطوفان، والزلزال الأكبر والموت الأحمر.
وقد صار بهذه الحال اليائسة البائسة يحسد الحيوان والوحوش الهائمة؛ لأنها لا تفكر في غدها، ولا يقلقها الطمع في آت من الرزق، قد قنعت من الماء بالكدر، ومن العيش بالجشب "الخشن من الطعام"، فتساوى لديها السعد والنحس والنعيم والشقاء.
ويشبه نفسه برجل زلت رجله فوقع في بئر، وقبل أن يهوي إلى قراره علقت رجله بمرقاة، يحاول أن يصعد إلى أعلى فلا يستطيع، وتمنعه المرقاة من الغرق، فهو لا يزال معلقًا بين اليأس والرجاء، تتنازعه المخاوف، وتفتك به الوساوس.
ثم يقول في نهايتها: "هذه هي حالتي، وذلك همي، وهذا ما وسوس لي أن أعتزل الناس جميعًا، وأفارق عشيرتي وصحبي، ويراعي ومحبرتي، علني أجد في البعد عن مثارات الأماني، ومباعث الآمال راحة اليأس، فاليأس خير داء لأمراض الرجاء"، ثم يختمها بما ارتضاه لنفسه وهو في هذه الحال الكثيبة في عزلته:
"فهأنذا قابع في كسر بيتي، ولا مؤنس لي إلا وحدتي، أتخيل البيت قبرًا والثوب كفنًا، والوحشة وحشة المقبورين في مقابرهم؛ لأعالج نفسي على نسيان الحياة، وأمانيها الباطلة، ومطامعها الكاذبة، حتى يبلغ الكتاب أجله، وهذا آخر عهدي بك وبغيرك والسلام".
ونسأل: هل حقًا يبلغ اليأس بإنسان ما، وبخاصة إذا كان عنده شيء من الإيمان -وقد كان عند المنفلوطي منه الكثير- هذه الدرجة من الاضطراب والقلق، وتخيل الحياة جحيمًا لا يطاق حتى إنه ليتمنى الموت، بل ينتظره في وحشة وكآبة دونهما وحشة القبر وكآبته؟؟