ويقول:"ولا تحيا كتابة كاتب سيعلم الناس من أمره بعد قليل أنه يكذبهم عن نفسه، وعن نفوسهم، وأنه يستبكي ولا يبكي، ويسترحم ولا يرحم".
وهو ممن يؤمنون بأن البيان صفة في الطبع، أي أن الأديب يجب أن يكون مطبوعًا، فتصدر عنه كلماته "عفوًا بلا تكلف ولا تعمل، صدور النور عن الشمس، والصدى عن الصوت، والأزيج عن الزهر، وشعاع لامع يشرق في نفس الأديب إشراق المصباح في زجاجته، وينبوع ثرار، يتفجر في صدره، ثم يفيض على أسلات قلمه".
وليست المسألة عنده مسألة علم بقواعد اللغة، ومعرفة بمتنها، وحفظ لآثارها، بل إن البيان "أمر وراء العلم، واللغة، والمحفوظات والمقروءات والقواعد والحدود، ولو أن امرءًا من كائن لكان أربع الكتاب، وأشعر الشعراء أغزرهم مادة في العلم، أو أعلمهم بقواعد اللغة، أو أجمعهم لمتونها".
وليس معنى ذلك أن يكون المرء جاهلًا باللغة: قواعدها وأصولها ومتنها، "فالعلم والمحفوظات والمقروءات والمادة اللغوية، والقواعد النحوية إنما هي أعوان الكاتب على الكتابة ووسائله إليها، فالجاهل لا يكتب شيئًا؛ لأنه لا يعرف شيئًا، ومن لا يضطلع بأساليب العربية أو مناحيها في منظومها ومنثورها سرت العجمة إلى لسانه، أو غلبته العامية على أمره، ومن قل محفوظه من المادة اللغوية قصرت يده عن تناول ما يرد تناوله من المعاني، ومن جهل قانون اللغة أغمض الأغراض وأبهمها، أو شوه الألفاظ وهجنها.
"ولكنها ليست هي جوهر الفصاحة ولا حقيقة البيان، فأكثر القائمين عليها، لا يكتبون ولا ينظمون، فإن فعلوا كان غاية إحسان المحسن منهم أن يكون كصانع التماثيل الذي يصب في قالبه تمثالًا سويًا، متناسب الأعضاء، مستوي الخلق، إلا أنه لا روح فيه ولا جمال له؛ لأنه ينقصهم بعد ذلك كله أمر هو سر البيان ولبه، وهو: الذوق النفسي، والفطرة السليمة، وأنى لهم ذلك؟ ".