الفن الجديد ما لم يروا في فقرات الجاحظ، وسجعات البديع، وما لا يرون في غثاثة الصحافة وركاكة الترجمة، فأقبلوا عليه إقبال الهيم على المورد الوحيد العذب.
وكان هذا النفر من المتأدبين، يترقبون "مؤيد" الخميس ليقرأوا مقال المنفلوطي حماسي وسداس وسباع وطه مرهف أذنيه، وزناتي مسبل عينيه، وفلان مأخوذ بروعة الأسلوب فلا ينبس ولا يطرف، وكلهم يودون لو يعقدون أسبابهم بهذا المنفلوطي الذي اصطفاه الله لرسالة هذا الأدب البكر".
"كان المنفلوطي أدبيًا موهوبًا حظ الطبع في أدبه أكثر من حظ الصنعة؛ لأن الصنعة لا تخلق أدبًا مبتكرًا، ولا أديبًا ممتازًا، ولا طريقة مستقلة، والنثر الفني كان على عهده لونًا حائلًا من أدب القاضي الفاضل، أو أثرًا مائلًا لفن ابن خلدون، يتمثل الأول قويًا في طبقة المويلحي وحفني ناصف، ويظهر الثاني ضعيفًا في طبقة قاسم أمين، ولطفي السيد، ولا يستطيع ناقد أن يقول إن أسلوبه كان مضروبًا على أحد القالبين، إنما كان أسلوب المنفلوطي في عصره كأسلوب ابن خلدون في عصره، بديعًا أنشأه الطبع القوي على غير مثال، والفرق أن بلاغة "النظرات" مرجعها إلى القريحة، وبلاغه "المقدمة" مرجعها إلى العبقرية".
"وسر الذيوع في أدب المنفلوطي ظهوره على فترة من الأدب اللباب، ومفاجأته الناس بهذا القصص الرابع الذي يصف الألم، ويمثل العيوب في أسلوب طلي، وسياق مطرد، ولفظ مختار".
هذا رأي أديب معاصر ممن رأى بشائر أدب المنفلوطي، وكيف استقبله الأدباء، وكيف أعجبوا به وعلل لهذا الإعجاب، والذيوع بأنه كان أدبًا رائدًا، كان الناس يفتقدونه فلا يجدونه حتى ظهر المنفلوطي، فوجدوا فيه ضالتهم، وأقبلوا عليه إقبال الهيم على المورد الوحيد العذب.
وميزة هذه الكلمة التي قالها الزيات أنه يحكم على الرجل بقيمة أدبه في عصره، لا في العصور المتأخرة بعد أن اشتد تيار الثقافة الغربية، وتطلب الذوق غزارة في المعاني، وعمقًا في الفكرة، ولم يعودوا يختلفون كثيرًا بطلاوة الأسلوب، وموسيقية الصياغة.