أما الدكتور طه حسين فقد رأينا كيف وصف الزيات حاله، وهو يستمع لمقالات المنفلوطي خماس وسداس وسباع مرهفًا أذنيه، وقد نشر المنفلوطي في صدر النظرات بعض التقاريظ حينما أعاد طبعها سنة ١٩١٣ كلمة تحت عنوان "كلمة الشيخ طه حسين أحد كتاب مصر"، وقد جاء فيها:"وهب السيد المنفلوطي ملكة خارقة تكاد تكون طبعا وسليقة، وإني لأقرأ له القطعة الأدبية، فيخيل إلي من سحرها أن نغمة من قلم "هوجو" تهب علي فلا أكاد أتم قراءتها حتى أهم بإعادتها المرة بعد الأخرى، وأحمد الله على أن وجد في العصر من ينفخ في هذا الهيكل البالي روحًا جديدًا ليحيا حياة رغد وهناء".
ولما نشر المنفلوطي بضع مقالات بعنوان "اللزوميات" كتب طه حسين رأيه فيها قائلًا: "وقد كنا نقرأ النظرات والأسبوعيات، فتبلغ من قلوبنا أضعاف ما تبلغه اللزوميات الآن، ولقد كنت أمقت "المؤيد" كل المقت إلا يوم تنشر فيه نظرة أو أسبوعية".
ولكنه طه حسين عاد فنقض رأيه في المنفلوطي وأدبه، ويحكي الزيات سبب ذلك فيقول:"نشر المنفلوطي مختار ما دبجه من فصوله في المؤيد في كتاب عنونه بالنظرات، وكان قد حكم على الشيخ شاويش في مقاله "طبقات الكتاب" حكمًا شديدًا، ورطه فيه على ما أظن صلته بالمؤيد وبالمغفور له سعد "باشا"، والشيخ شاويش يومئذ محرر اللواء بعد مصطفى كامل، ولطه به اتصال، فحرضه على أن ينقد "النظرات"، فنقدها ذلك النقد الغاضب الصاخب في ثلاثين مقالة ونيفًا".
ويقول في إحدى مقالاته النقدية:"أيها الكاتب المجيد، أسعد الله صباحك، وأحسن مغداك ومراحك، وقوم المزور من شأنك أو المعوج من لسانك، وألهمك الصواب في الإعراب، والإحسان في البيان، فما أعلمك في ذلك إلا دعيًا، بحثت عن معناك فلم أجده إلا رثا، وعن أسلوبك فلم ألفه إلا مبتذلًا، وعن صيتك فلم أجده إلا منحلًا، وعن مقرظيك فإذا هم بين ظالم ومظلوم، ولائم وملوم، فسألت الله أن يثأر منك للعرب، وقد وترتهم في لغتهم، وللأدباء، وقد وترتهم في صناعتهم".