فأين ذلك السحر الذي خيل إليه أنه نغمة من نغمات "هوجو" تهب عليه؟، وأين ذلك الاسمتاع بأسلوبه الذي كان يحمله على إعادة قراءته المرة بعد المرة، أو ليس هو الذي نفخ في هذا الهيكل البالي روحًا جديدة ليحيا حياة رغد وهناء؟ ".
إن في هذه الكلمات التي قدح بها طه حسين في أدب المنفلوطي ما ينبئ عن أنها قيلت للهدام والتجريح، وإن الدافع إليها هو الخصومة الحزينة، والإحن السياسية، وأن صاحبها لم يرد بها وجه الحق؛ لأن فيها خطأ فادحًا فالرجل لم يتر العرب في لغتهم ولا الأدباء في صناعتهم، بل نفخ في العربية روحًا جديدة، ومكن للأدب الرفيع.
وقد عرض المنفلوطي بهذا القدح تلميحًا دون ذكر صاحبه، وقال إنه لناشئ في الأدب يريد أن يعتلي قمة الشهرة، فسلك إليها تلك السبيل حتى يقترن اسمه باسم المنفلوطي، ولم يكن من عادة المنفلوطي أن يحفل بمثل هذا النقد والتجريح ويرد عليى قائليه.
وقد اعتذر طه حسين فيما بعد عن هذا التجريح في أحاديثه الإذاعية، وحاول إنصاف الرجل، ونقض ما قاله تجنيًا عليه، وغضًا من شأنه.
أما العقاد فبعد أن كتب ما كتب في شأن تلك الدماثة والليونة اللتين اتصف بهما أدب المنفلوطي نراه في أخريات حياته، يكتب مقالًا ضافيًا بالمجلة "نوفمبر ١٩٦٢" عن المنفلوطي، ويعود إلى حديث الأدب الباكي أو الأدب الحزين، وأن الجيل الناشئ قد تأثر بأدب المنفلوطي في تلك الظاهرة الحزينة، وقد وجد ذلك واضحًا في كراسات الإنسان لدى معظم التلاميذ الذين كان يدرس لهم بالمدرسة "الإعدادية"، ثم قال:
"ولكن المنفلوطي في غير هذه الزاوية يعرف بمكانته الأدبية العامة، فلا يعرف هل نظير بين أعلام الأدباء النائرين من مطلع النهضة الكتابية قبل مولده إلى ما بعد وفاته، فليس بين أدبائنا الناثرين من استطاع أن يقرب بين أسلوب الإنشاء وأسلوب الكتابة كما استطاع صاحب النظرات والعبرات، فربما ذهب القصد في الكتابة بجمال الإنشاء الناثرين المجدين، وربما ذهب الأسلوب "الإنشائي" الجميل بالمعنى.