للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد نرى بعض الكتاب يجاهدون مجاهدة مريرة في التخلص من السجع، وقيود البديع مثل عبد الرحمن الجبرتي، ولكنه لا يستطيع سواء في نثره المسجوع أو المرسل أن يرتفع بعبارته، وربما كانت عبارته المسجوعة أسلم وأقوم من عبارته المرسلة؛ لأنه يعتمد فيها محفوظه من المقامات وسواها، أما عبارته المرسلة فهي مزيج من العربية، والتركية والعامية في الغالب الأعم، وإن سلمت له بعض عبارات، ولكن سرعان ما يتعثر ويكبو.

من ذلك على سبيل المثال ذكره ما قام به علي بك الكبير من منشآت في هذه الديار حيث يقول: "ومن إنشائه أيضًا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطئ النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب، وهي عبارة عن قيسارية عظيمة ببابين يسلك منها ما يجري إلى قبلي وبالعكس، وخانا عظيمًا يعلوه مساكن من الجهتين، وبخارجه حوانيت وشونة غلال حيث مجرى النيل، ومسجد متوسط، فحفروا أساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء، ثم بنوا لها خنازير مثل المنارات من الأحجار، والدبش، والمؤن، وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقر على الأرض الصحيحة".

وأنت ترى كثرة الكلمات العامية والدخيلة في هذه العبارة على وجارتها، وتراه أحيانًا يجاهد في الإتيان بجمل سليمة التراكيب، فيخونه بيانه كقوله مبينًا نشأة مدرسة الهندسة في عهد محمد علي:

"لما رغب الباشا في إنشاء محل لمعرفة علم الحساب، والهندسة، والمساحة تعين المترجم رئيسًا ومعلمًا لمن يكون متعلمًا بذلك المكتب، وذلك أنه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة، والحساب ونحو ذلك، ورتب له خروجًا وشهريًا، ونجب تحت يده المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها، وأعجب الباشا ذلك، فذاكره وحسن له بأن يفرد مكانًا للتعليم، ويضم إلى مماليكه من يريد التعليم من أولاد الناس، فأمر بإنشاء ذلك المكتب، وأحضر له أشياء من آلات الهندسية والمساحة، والهيئة الفلكية من بلاد الإنجليز وغيرهم".

<<  <   >  >>