بلوغ ما في الحياة والوجود من حق وجميل، وإلى تبليغه للناس في صورة أقرب إلى الكمال ما دام قد أوتي الموهبة التعبيرية، ممن أوتي مثل مواهبه ولم يؤت مثل علمه.
٢- تطور المقال الأدبي من ناحية الفكرة وسلامتها وغزارتها ودقتها وترتيبها، وكلما دقت الفكرة دقت العبارة، ورأينا الأفكار والمعاني ترفع العبارة رفعًا إلى الصورة التي قدرها المعنى وتقدرها الفكرة، وإذا تمزقت الفكرة عن طريق التوليد أو التوسع أو التحليل تمزقت العبارة تبعًا لها، وما دام العلم صار من أهم الروافد التي يستقي منها الأديب في معالجة موضوعاته، كان الميل إلى الواقعية واضحًا، وبعد الأدباء تدريجيًا عن الأدب الحالم، والخيال المجنح الذي يطير على أجنحة من التجديد.
أخذ الأدب الجديد يعالج كل مشاكل الحياة والموت والزواج والأسرة ورغائب النفوس، وقضايا المجتمع، وصار يتزود من العلم والتجارب والملاحظة، ولم يعد يكتفي بالفكرة الفجة والعبارة الجوفاء.
ويقول هيكل في كتابه عن ثورة الأدب:"الأدب من الفلسفة ومن العلم كالزهرة الجميلة، وكالثمرة الناضجة، وكالخضرة النضرة من الشجرة الضخمة شجرة الفلسفة، ومن الجذور التي نبتت عليها هذه الشجرة والتي هي بمثابة العلم من الفلسفة، فلكي تكون حديقة الأدب جميلة، ولكي يكشف الأديب للناس عما في الحياة من حق وجميل، وليؤدي الرسالة العظيمة الملقاة على أدباء العصور جميعًا يجب أن يتغذى ما استطاع من ورد "الفلسفة ومن ورد العلم، ولذا كان العرب يقولون: إن الأدب هو الأخذ من كل فن بطرف".
وانتشار الثقافة وعمقها بين الأدباء والكتاب، يحد من الإغراق المحسنات، ويؤدي بطبيعة الحال إلى دقة التعبير، واتزان العاطفة؛ لأن قوام الأدب صدق العاطفة، ووحي القلب، ولكن الأدب ليس محض شعور، وإنما هو عقل كذلك، فالأديب يحس ويفكر، والتوازن بين إحساسه وفكره لا بد منه.
وقد دعا بعضهم إلى القضاء دفعة واحدة على أدب الألفاظ حتى لا تمسخ الحقائق، ولا تقع في التعميم والمبالغة السقيمة التي تصف ضوء الشمعة، وكأنه ضوء الشمس الباهرة.