يقول رفاعة:"ولا شك أن مصر وطن شريف إن لم نقل: إنها أشرف الأمكنة، فهي أرض المجد والشرف في القديم والحديث، وكم ورد في فضلها من آيات بينات وآثار وحديث، فما كأنها إلا صورة جنة الخلد، منقوشة في عرض الأرض بيد الحكمة الإلهية التي جمعت محاسن الدنيا فيها، حتى تكاد أن تكون حصرتها في أرجائها ونواحيها، بلدة معشوقة السكنى، رحبة المثوى، حصباؤها جوهر، وترابها مسك أذفر، يومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنئ، وثراها مريء، واسعة الرقعة، طيبة البقعة، كأن محاسن الدنيا عليها مفروشة، وصورة الجنة فيها منقوشة، واسطة البلاد ودرتها، ووجهها وغرتها، بلد خرج منه كبار ملوك، وسلاطين وحكماء وأساطين، وكم نبعث منه عيون علوم، وانجلى
به من البلاء سحائب غيوم، فمن ذا يضاهي مصر في كمال الافتخار، أو يباريها في الجمال والاعتبار إنها أول أمة في المجد، وعلو الهمة ... " إلخ.
ففي هذه الفقرة وسواها مما يحمل عاطفة حادة نرى رفاعة يلجأ إلى الأسلوب المسجوع، والتأنق في عبارته، وكأنه يربأ يمثل تلك العواطف إلا أن تلبس ثوبًا خاصًا يعتقد جماله حتى تظهر في أبهى حلة، وأجمل زينة حسب ظنه.
أما إذا كان الموضوع لا يحتال لمثل هذه العاطفة، وإنما يلزمه الشرح والبسط والتعمق في الفكرة، فإن رفاعة يطلق نفسه على سجيتها، ويلجأ إلى الأسلوب المرسل كما جاء مثلا عند كلامه عن المواطن الصالح ما له وما عليه، وهو موضوع جديد لعله نظر فيه إلى المجتمع الغربي كما شهده بباريس، وقد كان رفاعة يتكلم عنه لأول مرة في عصرنا"، وعلى الرغم من مضي تلك السنوات العديدة، فإن كثيرًا من المواطنين لا يعرفون حتى الوطن عليهم، ولا حقوقهم في هذا الوطن.
يقول رفاعة بعد أن تكلم عن المواطن الصالح من هو: فصفة الوطنية لا تستدعي فقط أن يطلب الإنسان حقوقه الواجبة له على الوطن، بل يجب عليه أيضًا أن يؤدي الحقوق التي للوطن عليه، فإذا لم يوف أحد من أبناء الوطن بحقوق وطنه ضاعت حقوقه المدنية التي يستحقها على وطنه.