وكان له بجانب ذلك الأسلوب مرسل خال من السجع، ولكنه لم يرتفع فيه إلى درجة الأسلوب الأدبي، وكان يلجأ إليه حين يشرح قضية، أو يخوض في مسألة اجتماعية أو تاريخية، ولعله اصطنع هذا الأسلوب حين رأى رواجه لدى كتاب مصر في أخريات حياته، ولقد تأثر لبنان بخاصة، وبلاد الشام بعامة بتلك النهضية التي تفتحت أزهارها بمصر، ولا أدل على ذلك من قول المعلم بطرس البستاني الذي كان معاصرًا لرفاعة الطهطاوي ١٨١٩-١٨٨٣ عند كلامه على حال اللغة في عهده، وكيف تدهورت، ودخلها كثير من الكلمات الأعجمية، بل إن هؤلاء الأعاجم قد حاولوا جاهدين إفساد لغتنا:"ومع أننا نرى العجم والتتر، والإفرنج من الجهة الواحدة آخذين في توسيع دائرة لغاتهم، وإدخالها بين العرب، والمتفرنجين من الجهة الواحدة آخذين في إفساد، وإماتة لغة أمتهم بواسطة إبدالهم كلماتها المأنوسة بكلمات أجنبية نافرة لا تليق باللغة العربية، كما أن ملبوس أهلها لا يليق بالعرب، مع أنه كما أن الناس تحتاج إلى الناس، كذلك اللغات تحتاج إلى غيرها، ولكن يجب الاقتصار على ما لا وجود له في أصل تلك اللغة مما يزيدها قوة وحسنًا
لا تنافرًا وثقلًا.
هذا ولا ينبغي أن نغفل عن تلك الكلمات النافرة الميتة الموجودة في قواميس اللغة العربية مما لا فائدة منه للعرب إلا التثقيل على الذهن العربي، والقلم الشرقي".
وبعد أن يتكلم على اللغات الدارجة التي نشأت في كل قطر عربي، وزاحمت اللغة الفصحى، وما في ذلك من مضرة باللغة وخسارة فادحة، تلفت حوله فوجد حقول الآداب العربية يبابا، وأخذ يتحسر على ما منوا به من فقد علمائهم، وكتابهم، وأطبائهم وشعرائهم وخطبائهم، ومدارسهم وفلاسفتهم، ثم نوه بما قام به رجال الإرساليات التبشيرية في ربوع الشام من بعث تلك النهضة على يد مدارسهم ومطابعهم، ثم يقول: "وقد فعل محمد علي في هذا الجيل بكتب الإفرنج ما فعله كرولس الكبير بكتب العرب، فأمر بترجمة أطايبها إلى اللغة