للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السماء، وحقت على أهل الأرض لعنة الله والملائكة، والأنبياء والناس أجمعين. سقطت الهمم، وخربت الذمم، وغاض ماء الوفاء، وطمست معالم الحق، ومزقت الشرائع، وبدلت القوانين، ولم يبق إلا هوى يتحكم، وشهوات تقضى وغيظ يحتدم، وخشونة تنفذ، تلك سنة الغدر، والله لا يهدي كيد الخائنين.

ذهب ذوو السلطة في بحور الحوادث الماضية يغوصون لطلب أصداف من الشبه، ومقذوفات من التهم، وسواقط من اللمم، ليموهوها بمياه السفسطة ويغشوها بأغشية من معادن القوة ليبرزوها في معرض السطوة، ويغشوا بها أعين الناظرين، لا يطلبون ذلك لغامض يبينونه، أو لمستور يكشفونه، أو لحق خفي فيظهرونه، أو خرق بدا فيرقعونه، أو نظام فسد فيصلحونه، كلا بل ليثبتوا أنهم في حبس من حبسوه غير مخطئين".

هذا هو الأسلوب الأدبي الذي صار طابع الرسائل الأدبية، والموضوعات الوصفية ردحًا غير قليل من الزمن امتد حتى نهاية القرن التاسع عشر، ونحن نراه موشى بالخيال، أنيق العبارة، رصينا، يأتي فيه السجع أحيانًا، ولكن بدون تكلف، وتأتي فيه ألوان البديع من غير إكراه، أو تعسف ونلمس فيه حرارة العاطفة المنبعثة هنا من ألم لما لاقاه من خيانة وعدم تقدير، ومن تحكم الأهواء.

<<  <   >  >>