للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى الرغم من جودة هذا الأسلوب وانتقاء ألفاظه، وما فيه من خيال، فإن الشيخ قد آثر البعد عن السجع إلا ما جاء عفو الخاطر، وآثر الجمل القصيرة المزدوجة.

وربما علا في بعض رسائله حتى صارت كتابته شعرًا منثورًا، ومن ذلك رسالته التي كتبها إلى بعض إخوانه، وهو في سجن القاهرة بعد أن اتهم بالاشتراك في حوادث الثورة العرابية، وذلك في ٦ من المحرم سنة ١٣٢٠ الموافق ٢٠ من هنوفمبر سنة ١٨٨١م.

"عزيزي:

تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم

هذه حالتي، اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر، فأخذت صخوره من مركز الأرض إلى المحيط الأعلى، واعترضت ما بين المشرق والمغرب، وامتدت إلى القطبين، فاستحجرت في طباع الناس! إذا تغلبت طبيعتها على المواد الحيوانية والإنسانية، فأصبحت قلوب الثقلين كالحجارة أو أشد قسوة، فتبارك الله أقدر الخالقين.

.......................................

رأيت نفسي اليوم في مهمة لا يأتي البصر على أطرافه، في ليلة داجية غطى فيها وجه السماء بغمام سوء، فتكاثف ركامًا، لا أرى إنسانًا، ولا أسمع ناطقًا، ولا أتوهم مجيبًا، أسمع ذئابًا، وسباعًا تزأر، وكلابًا تنبح، كلها يطلب فريسة واحدة، وهي ذات الكاتب، والتف على رجلي تنينان عظيمان، وقد خويت بطون الكل، وتحكم فيها سلطان الجوع، ومن كانت هذه حاله فهو لا ريب من الهالكين.

تقطع حبل الأمل، وانفصمت عروة الرجاء، وانحلت الثقة بالأولياء، وضل الاعتقاد بالأصفياء، وبطل القول بإجابة الدعاء، وانفطر من صدمة الباطل كبد

<<  <   >  >>