وبدأ لعبد الله نديم أن يحترف الصحافة، ويكون له ميدانه الخاص، يقول فيه ما يشاء، فأنشأ "التنكيت والتبكيت"، وقبل أن نستعرض أسلوبه بها نذكر أن عبد
الله نديم كان مولعًا منذ نشأته بالأدب شعره، ونثره ولكنه كان مقلدًا في كليهما، ونرى نثره قبل "التنكيت والتبكيت" يجري على نهج المقامة في احتفائه بالسجع والمحسنات، بل يربو عليها أحيانًا، إذا كان يفتن في السجع افتتانًا عجيبًا، وكذلك في إيراد ألوان من المحسنات، وضروب من المهارات اللغوية،
كأن يورد في نهاية كل سجعة آية قرآنية تنسجم مع السجعة في موسيقاها، وتلتئم معها في جرسها كقوله من رسالة لصديقه عبد العزيز حافظ، وقد شاهده يختلط ببعض المغاربة، ويشتغل بضروب من الخرافات لا تليق بمكانته:"لا حول ولا قوة إلا بالله، اشتبه المراقب باللاه، واستبدل الحلو بالمر، وقدم الرقيق على الحر، وبيع الدر الخزف، والخز بالخشف، وأظهر كل لئيم كبره، إن في ذلك لعبرة سمعًا سمعًا، فالوشاة إن سمعوا لا يعقلوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فكيف تشترون منهم القار في صفة العنبر، وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وكيف تسمع الأحباب لمن نهى منهم وزجر، وقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ... إلخ".
وهي رسالة طويلة تدل على تمكن من القرآن الكريم، ومهارة في الصنعة البديعة، وتكلف ملحوظ، وطول الرسالة يدل على كلف بهذا اللون من الكلام الذي يختفي فيه المعنى المراد وراء هذا السحب من المحسنات والعبارات المزوقة التي يوردها لمجرد إظهار القدرة اللغوية.
وكل رسائله في مطلع حياته قبل أن يتمرس قلمه بالصحافة، ويخوض في موضوعات تمس حياة المجتمع، كانت تحكي ألوانًا مختلفة من المهارات، والقدرة على السجع، فتارة يأتي بمجموعة من السجعات كل اثنتين منها متشابهتان في القافية، وفي ختامها سجعة من قافية مختلفة، ثم يكرر هذه القوافي بالترتيب الذي ساقها بها أولًا كقوله:"لعبث به الأشواق في مصارع العشاق، لعب الراح بالأرواح، في مجلس الأنس، وجرت به الأنواق في ميادين الأرزاق جرى السحاب والأرواح في حومة الشمس".