وقد كان الناس على دين إبراهيم، ثم انحرفوا، فعبدوا غير الله تعالى، ومن هؤلاء أهل مكة، فقد كان قوم من أهل مكة قد بقوا على الحنيفية، منهم أربعةٌ ذكر ابن هشام خبرهم فقال:«اجتمع وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَلَّمُوا وَاَللَّهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ! لَقَدْ أَخْطَئُوا دِينَ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ! مَا حَجَرٌ نُطِيفُ بِهِ، لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، يَا قَوْمِ الْتَمِسُوا لِأَنْفُسِكُمْ دِينًا، فَإِنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ. فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ يَلْتَمِسُونَ الْحَنِيفِيَّةَ، دِينَ إبْرَاهِيمَ»(١).
فلما جاء محمد ﷺ دعا الناس لهذه الحنيفية، وهي ملة الإسلام.
الأمر الثاني: قد نسب الشيخ ﵀ الحنيفية إلى إبراهيم ﵈ فقال: «أن الحنيفية ملة إبراهيم»، وإنما نسبت لإبراهيم ﵈؛ لأمرين، والله أعلم:
أولهماً: لأنه أبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وثانياً: لأن إبراهيم هو المذكور في آيات القرآن التي ورد فيها الأمر بالحنيفية، قال الله ﷿: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ (النساء: ١٢٥)، وقال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (النحل: ١٢٠)، وقال أيضاً: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ (آل عمران: ٦٧).
وقد يضاف إلى هذا أنه من أولي العزم، وقد تكرر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للاقتداء به.