ولذلك فإبراهيم ﵈ قد عُرِفَ عنه أنه وقف الوقفة الصارمة تجاه قومه وعبادتهم لغير الله ﷿، وخبره مع أبيه آزر ومع قومه مشهور، وهذا دليل على توحيده وقيامه به حق قيامه وجهاده به حق جهاده في شأن تحقيق التوحيد، والحنيفية، ونبذ الشرك ونحو ذلك.
الأمر الثالث: الحنيفية هي دين الأنبياء جميعاً، ولأجلها خلق الله الناس، ولذلك قال الشيخ ﵀: وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها -أي الحنيفية- فالله ﷿ خلق الناس ليعبدوه على وجه الإخلاص والتوحيد، والعبادة لا تصح حتى يعبد العبد ربه موحداً له، أما من عبده و هو مشرك فلا تصح عبادته.
فهذه العبادة -التي هي الحنيفية- هي الأمر الذي لأجله خلق الله الناس.
ثم استدل الشيخ ﵀ بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: ٥٦)، ومعنى يعبدون -أي يوحدون- وقد نقل عن ابن عباسٍ أنه قال:«كل موضعٍ في القرآن، اعبدوا الله، فمعناه: وَحِّدوا الله»(١).
واللام في قوله (ليعبدون) للتعليل، ففيها بيان سبب خلق الله تعالى للجن والإنس.
والآية جاءت بأسلوب الحصر، فإن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر -وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه- والمعنى: خلقت الجن والإنس لغاية واحدة هي العبادة لله وحده دون ما سواه.