للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: ذكر المؤلف دليلين على أن من صرف شيئاً من العبادات لغير الله فقد وقع في الشرك، وهما:

١. قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (الجن: ١٨).

وقوله: ﴿الْمَسَاجِدَ﴾، إما أن يراد بها المواضع التي بنيت لعبادة الله، وإما أن يراد بها الأعضاء التي خلقها ﷿ فليس لأحد أن يدعو مع الله غيره من خلقه.

إذن فمعنى الآية: أن المساجد كلها لله، فلا يجوز أن يقصد بها أحدٌ غير الله، وسواء أريد بالمساجد أعضاء السجود، أو المواضع التي بنيت للعبادة.

٢. قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (المؤمنون: ١١٧).

ومعنى الآية يتبين بما قبلها، وهي قوله: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ (المؤمنون: ١١٦)، فإنه سبحانه لما قرر أنه الملك الحق لا إله إلا هو، قال بعدها أن من ادعى إلها آخر فقد ادعى باطلاً لا برهان له فيه، وكل ما لا برهان فيه لا يجوز إثباته، ثم ذكر أن من قال بذلك فجزاؤه العقاب العظيم بقوله: ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ (المؤمنون: ١١٧)، قال بعض المفسرين (١): «إِنَّ عِقَابَهُ بَلَغَ إِلَى حَيْثُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى حِسَابِهِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى» (٢).


(١) القائل هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن التيمي الرازي، الملقب بفخر الدين، ولد في الري بطبرستان، أخذ العلم عن كبار علماء عصره، ومنهم والده، حتى برع في علوم شتى واشتهر، وكان عالمًا في التفسير وعلم الكلام والفلك والفلسفة وعلم الأصول وفي غيرها، له مؤلفات عدة، غير أنه كان على مذهب المعتزلة، بل من رؤوسهم، توفي سنة (٦٠٦ هـ)، واختُلف في سبب وفاته، وقيل مات مسموماً.
(٢) انظر: «مفاتيح الغيب» للرازي (٢٣/ ٣٠٠).

<<  <   >  >>