للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك فثمة خوف طبيعي قد يقع على الإنسان، كأن يخاف من عدو أو سبع أو عقرب أو غير ذلك، وهذا لا ملامة عليه فيه.

* إنما الخوف المحرم نوعان:

الأول: أن يخاف من غير الله أن يصيبه بمكروه؛ لأنه يعتقد أنه ينفع ويضر من دون الله، وهذا يسميه أهل العلم: خوف السِرّ، مثل الخوف الذي يقع من بعض الناس من الأولياء المقبورين، أو أن يخاف من صنم، أو يخاف من جِنّ و نحو ذلك، فهذا كله لا يجوز، وإذا وقع الإنسان في ذلك، واعتقد أن المخوف منه سببٌ لوقوع المكروه، فهذا شركٌ أصغر، ولكن إن خاف من الغير وكان في قرارة نفسه واعتقاده أنهم ينفعون أو يضرّون من دون، الله فهذا شرك أكبر.

ولا يقع في هذا الأمرِ الموحدُ الذي يخاف من الله تعالى، إنما قد يقع فيه من نقص تعظيمه لله، فترتب على ذلك الخلل في التوحيد، حين خاف من مخلوق خوفًا لا يليق إلا بالله تعالى، بل إنه ربما خاف من صاحب القبر أشد من خوفه من الله (١).


(١) وقد ذكر أحد الشيوخ حادثة يسيرة، قال: كنّا مارين في طريق في أحد البلدان، وإذا هناك في الطريق قبر رجل يقولون أنه من الصالحين، وكان هناك رجل من الناس يسأل الناس مالاً ويتكففهم، يقول: فأعطيته مبلغاً بسيطاً، فقال: وأنت بحضرة الولي فلان تعطيني كذا؟!
فقلت: أعطني الذي أعطيتك، وظن أنني إذا أخذته منه سأعطيه أكثر منه، فلما أخذته قلت: لن أعطيك شيئاً، لأنك تتوسل بغير الله .
وقلت لصاحب الأجرة: امشِ، وكنا ونحن في الطريق، إذا بذلك الرجل سائق السيارة يردد: استر، استر، استر، كلما مشى قال: استر، استر، قلت له لم تكرر استر استر؟! قال: لأنك أهنت الولي في حضرته، فلما وصلنا إلى مقصدنا وإذا بنا لم يصبنا مكروه قلت له: أرأيت لم يصبك شيء، وإنما خوفك هذا من غير الله لأ لا يجوز.
وهذا الذي قد أوقع بعض الناس في أنه يحلف بالله كاذباً؛ لكنه لا يحلف بغير الله من الأولياء كاذباً، فهذا هو خوف السر، وهو شرك بالله.

<<  <   >  >>