للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طاعة الله، والغاً في الكبائر ولم يتب، وهو مع ذلك يرجو الثواب، ويرجو أعلى درجات الجنة، فهذا غرور، حتى قال قائلهم:

وأكثِر ما استطعت من الذنوب … إذا كان القدوم على كريم

وهذا لا شك أنه باطل، بل إن الغفور الرحيم، هو شديد العقاب، وهو المنتقم، وهو الجبار.

قال ابن القيم : «أَجْمَعَ الْعَارِفُونَ عَلَى أَنَّ الرَّجَاءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْعَمَلِ» (١)، ومعنى ذلك: أن رجاء عبدٍ يرجو ثواب الله، وربما قال: إن شاء الله سيجعلنا في الفردوس، وهو والغ في الكبائر وفي الذنوب والتقصير فهذا لا شك أنه رجاء مذموم، فإذا كان العبد متمادياً في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والرجاء الكاذب.

المسألة الثالثة: الرجاء والخوف أمران هما كجناحي الطائر، فالطائر يطير بجناحين، والسائر إلى الله لا بد له من جناحين يسير بهما إلى الله وإلى جنته، جناح خوف وجناح رجاء، فلا بد للمؤمن أن يجمع بين الخوف وبين الرجاء.

وقد نقل ابن القيم عن أبي علي الرُّوذْبَارِيِّ قوله: «الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ كَجَنَاحَيِ الطَّائِرِ إِذَا اسْتَوَيَا اسْتَوَى الطَّيْرُ وَتَمَّ طَيَرَانُهُ، وَإِذَا نَقَصَ أَحَدَهُمَا وَقَعَ فِيهِ النَّقْصُ، وَإِذَا ذَهَبَا صَارَ الطَّائِرُ فِي حَدِّ الْمَوْتِ» (٢).

والذي يُغلّب هذا على هذا قد يقع في الخلل والمحظور، فأسماء الله حينما تتأملها قد تملأ قلبك برجائه، أو تملؤُه بخوفه، فحينما تتأمل القوي، القهار، الجبار، المنتقم تخاف الله، وحينما تتأمل اسم الله الحليم، الكريم، العفو، التواب، تملأ قلبك رجاء به .


(١) انظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٣٧).
(٢) انظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٣٧).

<<  <   >  >>