للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأدلة من الكتاب والسنة المبينة لهذه الاستطاعة كثيرة؛ فمن الكتاب قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل: عمران: ٩٧] فالآية نص في أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة عليه، فالاستطاعة إذًا شرط، وهي هنا الزاد والراحلة، فلو كانت الاستطاعة في الآية بمعنى الاستطاعة الموجبة للفعل- وشرطها أن تكون مقارنة للفعل- لكان معنى الآية، لا يجب الحج إلا على من حج، ليس فقط بالعزم عليه والتمكن من فعله، وإنما بعد الفراغ منه، وهذا يؤول إلى اسقاط الواجبات كلها.

ومن السنة قول الرسول : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم) (١) فهذه الاستطاعة بمعنى الوسع والتمكن من الفعل، فلو أريد بها الموجبة للفعل لكان المعنى: فأتوا منه ما فعلتم، فلا يكونون مأمورين إلا بما فعلوه.

ومنه قول الرسول لعمران بن حصين : (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) (٢) فلو أريد بالاستطاعة النوع الثاني منها، لكان المعنى صلِّ بالتخيير قائمًا أو قاعدًا أو على جنب.

النوع الثاني (٣): استطاعة كونية، التي هي للكلمات الخلقيات الكونيات، فهي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، فهي موجبة ومحققة له، وتكون دائمًا مقارنة للفعل فلا تكون إلا معه، فحقيقتها إذًا مجموع ما يجب بها الفعل، وتدخل فيها الإرادة وغيرها، فهي توجد في حق من فعل.


(١) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام باب الإقتداء بسنن رسول الله برقم (٧٢٨٨) ومسلم في كتاب الفضائل، باب توقيره ، برقم (١٣٣٧).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، برقم (١١١٧).
(٣) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٨/ ٢٩١، ٣٧٢ - ٣٧٣، ٤٤١).

<<  <   >  >>