للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو كلف الشارع الإخبار بشيء، ثم نسخه، وأمر بالإخبار بضده لكان في ذلك كذب؛ لأنه كلفه بالإخبار بنقيض الحق ولابد، وهذا أمر يستقبحه العقل فكان ممتنعًا في حق الله تعالى لتنزهه عن الكذب، ولهذا لا يجوز النسخ في هذه الحالة لما يلزم من القول بالجواز من إفضاء إلى الباطل، وما أفضى إلى باطل فهو باطل (١).

وقد أبدى ابن السبكي اعتراضًا على استناد المعتزلة إلى هذا الأصل، فقال: «بل لقائل أن يقول لا التفات لهذا على قاعدة التحسين والتقبيح، بل ينبغي القول به على أصلنا وأصلهم» (٢).

ثم ذكر أنه على أصل الأشاعرة واضح الالتفات لإنكارهم للقاعدة، أما على أصلهم فلأنه قد يتعلق بالكذب قصد صحيح فلا يكون قبيحًا في حق المكلِّف أو المكلَّف، وقد ذكر الفقهاء مواضع يجب فيها الكذب لتعلق غرض شرعي به، ولا ينبغي للمعتزلة الخلاف في ذلك (٣).

الخامسة عشرة: حكم نسخ المأمور به قبل التمكن من الفعل.

ذهبت المعتزلة إلى منع نسخ المأمور به قبل التمكن من الفعل، «لعدم حصول المصلحة من الفعل، وترك المصلحة عندهم يمنعه قاعدة الحسن والقبح» (٤).

ثم إن نسخ الفعل قبل التمكن فيه أمر، ونهي، أمر بالعبادة، وهذا يقتضي حسن الأمر، ثم نهى عنها، وهذا يقتضي القبح، وبما أن الشرع كاشف عن الحسن والقبح فإنه لا يمكن أن يكشف عن الحسن أو القبح، ثم يأتي بما يدل على خلاف ذلك إذا


(١) انظر: المعتمد (١/ ٤٢١).
(٢) رفع الحاجب (٤/ ٧٥).
(٣) انظر: رفع الحاجب (٤/ ٧٥ - ٧٦)
(٤) نفائس الأصول (٦/ ٢٤٤٨).

<<  <   >  >>