للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن لم يقل بوجوب رعاية المصلحة قال لا يمتنع عليه تعالى فعل شيء، فله أن يفعل ما يريد، ويحكم بما يشاء، ومن ذلك المعصية من النبي قبل البعثة (١). بل إن جواز ذلك لا يفضي إلى القبح العقلي؛ لأن الإنسان بعد صفاء السريرة وحسن السيرة ينعكس حال الناس معه من حال الازدراء والاستخفاف إلى حال التعظيم والإجلال، ويؤكد ذلك أن انعكاس حالهم حينئذ دلالة المعجزة على صدقه وأحقيته بالرسالة، والمشاهدة قاضية بهذا الانعكاس في كثير من الصلحاء، حيث كانوا موصوفين بضد الصلاح محقورين من الناس، ثم انعكس حالهم بعد الصلاح، فلا وجه للملازمة (٢).

الحادية عشرة: ذهب بعض من قال بالتحسين والتقبيح إلى كون النسخ بيانًا؛ لأنه لو كان رفعًا؛ لأدى إلى أن ينقلب الحسن - الذي أثبته الله بالأمر - إلى قبيح وذلك بالنهي عنه، وهذا محال (٣).

وبيانه: أنَّ الشيء إنما يؤمر به لحسنه وما فيه من مصلحة، وينهى عنه لقبحه وما فيه من مفسدة، ولو أمر بالحكم الواحد، ثم نهى عنه لكان حسنًا قبيحًا، مصلحة مفسدة، مرادًا غير مراد، وهو جمع بين النقيضين، والقول بالرفع يلزم منه ذلك؛ لأنه أمر بالحكم المنسوخ لحسنه، ثم نهى عنه برفعه لقبحه، فلزم أن يجتمع فيه النقيضان (٤).


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة (٥٧٤)، البحر المحيط (٤/ ١٦٩)، شرح العضد (٢/ ٢٢)، نهاية الوصول لابن الساعاتي (١/ ٢٥٤)، أصول ابن مفلح (١/ ٣٢٢)، التحبير (٣/ ١٤٤٠).
(٢) اعترض به الحنفية لقولهم بالتحسين والتقبيح مع قولهم بالجواز مطلقًا، ورأوا منع الملازمة بين القبح العقلي والمنع.
انظر: التقرير والتحبير (٢/ ٢٢٤)، تيسير التحرير (٣/ ٢٠ - ٢١)، فواتح الرحموت (٢/ ٩٨).
(٣) انظر: المستصفى (١/ ١٠٨) التلخيص (١/ ٤٥٤)، الواضح (٢/ ٢١٢)، روضة الناظر (١/ ٢٨٦)، شرح المعالم (٢/ ٣٧ - ٣٨)، شرح مختصر الروضة (٢/ ٢٦٢) ..
(٤) انظر: شرح المعالم (٢/ ٣٧ - ٣٨).

<<  <   >  >>