للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالطرق المتقدمة - وهي الحكمة والعدل والرحمة والقدرة- كلها تدل على أن المعجزة دالة على صدق الرسول، (فكيف إذا انضم إلى ذلك أن هذه سنته وعادته) (١) ، وهذه الطريق -أي طريق السنة- تدل ضرورة على أن المعجزة لأجل التصديق، ولهذا اختار بعض الناس القول بأن دلالة المعجزة على الصدق تعلم بالضرورة، وهو صحيح (٢).

أما المتكلمون فلهم ثلاثة طرق في وجه دلالة المعجزة على صدق النبي المدَّعي للرسالة، (طريقة القدرة، وطريقة الحكمة، وطريقة الضرورة)، وهي طرق ذكرها الأشعرية والمعتزلة، وهي صحيحة في أصلها، ولكن من قال بها له أصول فاسدة، يرجع إليها في كتب العقائد.

المسألة الرابعة: تطرق الأصوليون لنوع دلالة المعجزة: فذكرا في كتب أصول الفقه أن للناس قولين فيها؛ فمنهم من يرى أنها عقلية (٣)، ومنهم من يرى أنها وضعية (٤).

وعند التحقيق لا تعارض بين القولين؛ فإن (الأدلة التي تدل بنفسها قد تسمى الأدلة العقلية، ويسمى النوع الآخر الأدلة الوضعية، لكونها إنما دلت بوضع واضع، والتحقيق أن كليهما عقلي إذا نظر فيه العقل علم مدلوله، لكن هذه تدل بنفسها،


(١) المصدر نفسه (ص ٣٦٥).
(٢) المصدر نفسه (ص ٣٦٠).
(٣) الدليل العقلي: وهو ما دل على المطلوب بنفسه من غير احتياج إلى وضع كدلالة الحدوث على المُحدِث، والإحكام على العالِم. انظر البحر المحيط للزركشي (١/ ٥٤).
(٤) الدليل الوضعي فهو ما دل على المطلوب بالمواضعة تخصيصًا، فهو لا يدل بوصف هو في نفسه عليه، مثل العبادات الدالة على المعاني في اللغات.
انظر: التقريب والإرشاد للباقلاني (١/ ٢٠٥)، والتلخيص للجويني (١/ ١٢٠)، والبحر المحيط للزركشي (١/ ٥٤).

<<  <   >  >>