للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول العصمة]

وتحته مطلبان:

• المطلب الأول: عصمة الأنبياء قبل النبوة:

سبق الحديث عن عصمة الأنبياء، ومواطن ذكرها (١)، وما قد يُبنى عليها من مسائل في أصول الفقه، وهنا الحديث عن عصمتهم قبل النبوة، وهي مما استطردوا الحديث فيها، وقد انعقد الإجماع على عصمتهم من الكفر والشرك قبل إنبائهم، إلا ما يذكر من مذهب الخوارج (٢).


(١) ذكرها الأصوليون تمهيدًا للبحث عن الدليل الثاني السنة فإثبات السنة متوقف على عصمة النبي حتى تتحقق الثقة فيما يصدر منه من أقوال وأفعال.
انظر على سبيل المثال: الرسالة للإمام الشافعي (ص ٩١ - ١٠٤)، والبرهان (١/ ٣٨٨ - ٣٩١)، وشرح الكوكب المنير (٢/ ١٦٧ - ١٧٧)، والتقرير والتحبير (٢/ ٢٢٣ - ٢٢٤).
(٢) نازع شيخ الإسلام ابن تيمية في دعوى الإجماع على أن الأنبياء كلهم معصومون من الشرك والكفر قبل بعثتهم، ونقل عن القاضي الباقلاني ما يدل على الخلاف، واستدل لما ذهب إليه بما ذكره الله عن شعيب ولوط، فقال الله تعالى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ٨٨ - ٨٩] وقال عن لوط: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]؛ وذكر أن عصمة النبي خاصة، لا تدل على عصمة غيره قبل النبوة، لاختلاف درجات الأنبياء، ثم استثنى شيخ الإسلام أنبياء بني إسرائيل، لأنهم كانوا يحكمون بالتوراة، فعصمتهم من الكفر والشرك قبل نبوتهم حاصلة.
وقيل: يحمل العود في ملة الكفر في خبر شعيب على معنى المصير إليه ابتداءً، لا على العود إلى ما كان حاصلًا قبل.
خاصة إذا علمنا أن الله ذكر مطالبة المشركين للأنبياء بالعود إلى ملتهم بصيغة عامة، فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [إبراهيم: ١٣] والمخالف يسلِّم بأن بعض الأنبياء لم يكونوا على الكفر قبل نبوتهم، فدل على أن العود ليس إلى حالة كانت ثابتة قبل. ولو قيل: العود لا يكون إلا إلى حالة ثابتة قبل، أمكن أن يجاب بأن العود عود إلى السكوت عن المشركين كما كانوا قبل الرسالة وكانوا أغفالًا، و ذلك يصدق عليه عند المشركين كونهم عادوا إلى ملتهم.
وأما إيمان لوط لإبراهيم ، فلا يدل على وقوع الشرك والكفر منه، بل غايته الإيمان بنبوته وبما جاء به. والذي يظهر أن الباقلاني حكى الخلاف في جواز وقوع الأنبياء في الكفر والشرك قبل نبوتهم، لا في وقوعه حتمًا. والله أعلم.
انظر تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء لابن تيمية (١/ ١٨٦، ١٩٣، ٢٣٠)، والمحرر الوجيز لابن عطية (١٠/ ٧١).

<<  <   >  >>