للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣) الكرامية: وزعموا أنه القول فقط، فالمنافقون عندهم مؤمنون لكنهم يستحقون الوعيد في الآخرة (١).

وأما الخوارج والمعتزلة فوافقوا السلف في مسمى الإيمان من جهة تعلقه بالقلب واللسان والجوارح، ثم خالفوهم في الحكم، فقالوا: إن ارتكاب المعاصي بفعل المحرمات أو ترك الواجبات يذهب بالإيمان كله، ذلك أن الإيمان -عندهم- كله شيء واحد، فصاحب الكبيرة مخلد في النار إن مات على كبيرته، لكنهم اختلفوا في أحكام الدنيا، فالخوارج كفّروا أصحاب الكبائر مطلقًا، فأخرجوهم من الإيمان إلى الكفر في الدنيا والآخرة، أما المعتزلة فوافقوا على إخراجهم من الإيمان وعلى خلودهم في النار يوم القيامة، وخالفوا الخوارج في الحكم عليهم بالكفر في الدنيا وقالوا: هم في منزلة بين المنزلتين، واستحقوا وصف الفسق (٢).

المسألة الثانية: الذي عليه سلف الأمة هو أن الإيمان يتفاضل حقيقة في نفسه من جهة أمر الرب ومن جهة فعل العباد، فما أوجبه الله آخر الأمر أكثر مما أوجبه أولًا، إذ كان المطلوب أولًا التوحيد، ثم فرضت الصلاة بعد ذلك وهكذا، وأيضًا فإن الوجوب يتنوع بتنوع أهله، فما يجب على شخص قد لا يجب على غيره، والناس في امتثالهم لشرع الله يتفاوتون تفاوتًا عظيمًا، بل إن الشخص الواحد يجد ذلك من نفسه فليست أحواله كلها على السواء سواء كان ذلك فيما يتعلق بقلبه أم لسانه أم جوارحه، فمن عباد الله من هو سابق مقرب، ومنهم مقتصدون، ومنهم ظالمون لأنفسهم.

واستدلوا على صحة مذهبهم في زيادة الإيمان ونقصانه بأدلة من كتاب الله


(١) انظر: الكاشف عن المحصول للأصفهاني (٢/ ٥٦٣ - ٥٦٤) القسم الأول.
(٢) انظر: الإيمان لأبي عبيد (٨٨ - ١٠١)، وشرح الأصول الخمسة (٧٠١)، والكاشف عن المحصول للأصفهاني (٢/ ٥٦٦) القسم الأول.

<<  <   >  >>