للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامسة عشرة: منع نسخ المأمور به قبل التمكن من الفعل؛ لأنه لو أمره بالفعل وأراده منه، ثم منعه كان قد كلَّفه ما لا يطيقه، وهذا ما يكون في النسخ قبل التمكن؛ لأن الله تعالى إذا أمر المكلف بأمر فهو يريده منه، فلا يتصور أن يأمره ويريده منه، ثم ينسخه قبل امتثال العبد له (١).

وأمَّا على القول بجواز التكليف بما لا يطاق فإن ذلك متصور، فيجوز أن يكلِّفه بالأمر، وهو يريد إيقاعه منه ثم ينسخه.

السادسة عشرة: عدم ثبوت النسخ في حق من لم يبلغه؛ لأن التكليف مشروط بالعلم بالمكلف به والقدرة عليه، وإذا لم يكن الأمر المكلف به كذلك كان غير مقدور عليه، وكان التكليف به تكليفًا بما لا يطاق، وتكليف من لم يبلغه النسخ بحكم الناسخ هو تكليف له بما لم يعلمه ولم يمكنه؛ لأن الإمكان مترتب على العلم، ولذا كان جزءًا من مسألة التكليف بما لا يطاق (٢).

وهذا البناء قصره بعضهم على طلب الامتثال، أما الاستقرار في الذمة فليس من تكليف ما لا يطاق، فهو كالنائم ونحوه، أو هو من خطاب الوضع، فلا يشترط فيه العلم (٣)، ومنهم من عمَّمه على القسمين؛ لأن الثبوت في الذمة حكم، وهو لا يثبت إلا بعد العلم، فلا يقضي ما لم يعلم بوجوبه (٤).

وكلام الأصوليين في نسبة هذه المسألة إلى أصل التكليف بما لا يطاق لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يكون الكلام مرتبطًا بطلب الامتثال وثبوت الإثم مع عدم


(١) انظر: المعتمد (١/ ٤٠٧، ٤١٣)، التلخيص (١/ ١٤٦ - ١٤٧)، (٢/ ٤٩٠) سلاسل الذهب (٢٩٦).
(٢) انظر: التلخيص (٢/ ٥٤٠)، قواطع الأدلة (١/ ٤٥٩)، المنخول (٣٩٧).
(٣) انظر: البحر المحيط (٤/ ٨٣ - ٨٤).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (١٩/ ٢٢٦ - ٢٢٧).

<<  <   >  >>