للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لله أن يتصرف في ملكه بما شاء من أفعال وأوامر، ومن جملة ذلك هذا التكليف.

وإن كان يقول: إن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة، ولا تخلو من فوائد وحِكم؛ فإنّه يمنع هذا التكليف؛ لأنّه إنما أجاز تكليف ما لا يطاق عنده لما فيه من حكمة الابتلاء للمكلف، أو الإعلام بنزول العذاب به، وهذه الحكمة لا تتأتى هنا، فامتنع التكليف بالممكن المشروط بالمستحيل على القول بتجويز المحال (١).

الثامنة: يتوجه التكليف على المكلَّف في كل وقت، سواء كان المكلف وقت التوجه قادرًا أو غير قادر عند القائل بجواز تكليف ما لا يطاق.

ومن منع تكليف ما لا يطاق، فقياس مذهبه في هذه المسألة -وقت توجيه التكليف- أن يجعل التكليف مقارنًا للقدرة، حتى لا يكون تكليف ولا قدرة (٢).

التاسعة: اتفق العلماء على أن التكليف بالفعل المجهول -أي: الذي ليس معلوم الحقيقة للمكلف- لم يقع في الشريعة (٣)؛ لذا نقلوا الإجماع على أنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

واختلفوا في جوازه عقلًا، فمن منع تكليف ما لا يطاق عقلًا، منع من التكليف بالمجهول، واشترط في التكليف العلم بالتكليف، والعلم بالمكلَّف به.

ومن جوَّز تكليف ما لا يطاق، فبعضهم طرد أصله هنا فجوَّز التكليف بالمجهول، ولم يشترط العلم، وبعضهم منع التكليف بالمجهول لأسباب،


(١) تخريج الأصول على الأصول للعمري (ص ٣٩٧ - ٣٩٨)، وانظر: نهاية الوصول للهندي (٣/ ١٠٨٦) البحر المحيط (١/ ٣٧١ - ٣٩٣) منتهى السول للأمدي (ص ٤٤) والإحكام (١/ ٢٠٧ - ٢٠٩).
(٢) تخريج الأصول على الأصول (ص ٤٠٢). وعليه تبنى مسألة وقت توجيه التكليف على مسألة وقت القدرة.
(٣) انظر: الإحكام (١/ ٢٥٢)، البحر المحيط (٣/ ٤٩٣) تخريج الأصول على الأصول ح (١) (ص ٤٢٣).

<<  <   >  >>