للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي عليه سلف الأمة وجمهور المتأخرين العمل بالعموم، وأن التوقف فيه مذهب متأخر نشأ في القرن الرابع الهجري، ولم يأخذ به إلا قليل من أهل العلم (١).

وسر المسألة أن الوعيدية احتجوا بآيات الوعيد المتعلقة بعصاة الموحدين، فأوجبوا لهم دخول النار قطعًا إن لم يتوبوا، وقد يبالغون أكثر من هذا فيحملون النصوص الواردة في شأن الكفار على العصاة الموحدين بدعوى العموم، كقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: ٢٣].

وقابل هؤلاء المرجئة، فحملوا كل ما ورد من بشارات لأهل الإيمان والتوحيد على كل من آمن ولو كان فاسقًا معه من السيئات ما يستوجب دخول النار، كقول الله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩].

والتحقيق هو الجمع بين النصوص الواردة في الوعد والوعيد، وبيان ذلك:

(١) ما ذهب إليه المعتزلة من أن آيات الوعيد في العصاة على عمومها، قلنا: هي كذلك، لكن لا يقطع بها في حق الشخص المعين، لأن لحوق الوعيد مشروط بانتفاء موانع.

(٢) وأما القول بالتوقف في نصوص الوعد، بناء على احتجاج المرجئة بها على دخول أصحاب الكبائر الجنة بلا عذاب، فلا وجه له، لأنه قد ثبت بالأدلة المتواترة دخول بعض أهل الإيمان من أهل الذنوب النار وخروجهم منها، إما بالشفاعة، وإما بعد أن يكمل نقاؤهم بالعذاب، فيصيرون حممًا، فيخرجون إلى الجنة، وعندئذ فما ورد من الأدلة في دخول أهل الإيمان الجنة بلا عذاب، إنما هو في حق من كمل إيمانه، أو من شاء الله إدخاله الجنة بلا عذاب وإن كان


(١) الفصول في الأصول للجصاص (١/ ١٠٣ - ١٠٤)، و مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٦/ ٤٤١).

<<  <   >  >>