للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه عند تحققه، ومن تردد في تحققه لم يكن مؤمنًا، وإن لم يكن للشك والتردد، فالأولى أن يقول: أنا مؤمن حقًا، دفعًا للإيهام.

واستدل للقول الأول بوجوه:

أحدها: أن الاستثناء للتبرك بذكر الله تعالى والتأدب بإحالة الأمور إلى مشيئة الله تعالى، والتبري من تزكية النفس والإعجاب بحالها.

الثاني: أن التصديق الإيماني المنوط به النجاة أمر قلبي خفي، له معارضات خفية كثيرة من الهوى والشيطان والخذلان، فالمرء - وإن كان جازمًا بحصوله- لكنه لا يأمن أن يشوبه شيء من منافيات النجاة، ولا سيما عند تفاضل الأوامر والنواهي الصعبة المخالفة للهوى والمستلذات من غير علم له بذلك، فلذلك يفوض حصوله إلى مشيئة الله تعالى.

الثالث: أن الإيمان ثابت في الحال قطعًا من غير شك فيه، لكن الإيمان الذي هو علم الفوز وآية النجاة إيمان الموافاة، فاعتنى السلف به وقرنوه بالمشيئة، ولم يقصدوا الشك في الإيمان الناجز.

وأما الإسلام: فلا يجوز الاستثناء فيه، بأن يقول: أنا مسلم إن شاء الله، بل يجزم به، قاله ابن حمدان في نهاية المبتدئين، وقيل: يجوز إن شرطنا فيه العمل (١) (٢).


(١) إن أريد بالعمل الكلمة - أعني التلفظ بالشهادتين - فلا استثناء فيه. وإن أريد العمل من الصلاة وغيرها من أركان الإسلام، صح الاستثناء فيه، للعلل والآفات التي تلحق الأعمال. وما صدره بقوله: قيل: يجوز إن شرطنا فيه العمل، هو الصحيح، وإن حكاه بصيغة التضعيف. والله أعلم.
انظر: الإبانة لابن بطة (٢/ ٨٧٦) - الكتاب الأول-. ومسائل الإيمان لأبي يعلى (٤٢٨)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ٤١٥، ٢٥٩).
(٢) شرح الكوكب المنير لابن النجار (١/ ١٥١ - ١٥٢).

<<  <   >  >>