للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك:

قوله الله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [الأعراف: ٢٨].

فالفاحشة هنا هي طواف المشركين عراة بالبيت رجالا ونساء، فبين الله أنه لا يأمر به لقبحه، فلو كان القبيح هو المقول فيه لا تفعل - كما تقول الأشاعرة - لكان معنى الآية: إن الله لا يأمر بما ينهى عنه، وهذا يصان عنه كلام الباري لعدم فائدته، ثم بين الله أنه لا يأمر إلا بما هو حسن (١) فقال سبحانه: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: ٢٨ - ٢٩].

وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، فوصف الله بعض رزقه بأنه طيب، وأن هذا الوصف يقتضي عدم تحريمه، فدل على ثبوت وصف للفعل هو منشأ للمصلحة مانع من التحريم، وهذا هو التحسين العقلي عينه (٢).

ثمَّ إن المولى ضرب أمثلة عقلية كثيرة دالة على حسن التوحيد ومدح فاعله، وعلى قبح الشرك وذمه وذم فاعله، والأدلة فيه كثيرة.

كقوله تعالى: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [: يس: ٢٣ - ٢٤] فلم يحتج الله عليهم بمجرد الأمر، بل احتج عليهم بالعقل ومقتضى الفطرة، لأن من لا يملك دفع ضر عن نفسه فأولى أن لا يقدر على دفعه عن غيره، فكانت عبادته من كان ناقصًا


(١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢٤٩)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٣٣٥).
(٢) انظر: مدارج السالكين (١/ ٢٤٩).

<<  <   >  >>