وإن فني صورة فهو باق حقيقة لصاحبه عند الله يرى ثوابه مضاعفاً عند حاجته ومزيد فاقته، ففيه أعظم تحريض عليها من كل م يأكله الإنسان، لأن من استحضر أن ما يأكله لا ثواب له فيه حيث لا غرض صحيح معه، وأن ما يتصدق به بقي له عند مولاه حمله ذلك على التصدق منه ولو بلقمة (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح ومعناه) أي الحديث من حيث الجملة (تصدقوا بها إلا كتفها، فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها) وذلك لأن ما بقي منها يفنى بأكله وما تصدق به باقياً عند الله سبحانه.
١٦ - (وعن أسماء) بسكون المهملة بعدها ميم ألف ممدودة (بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) تقدمت ترجمتها في باب برّ الوالدين (قالت: قال لي رسول الله: لا توكي) قال في «النهاية» : أي لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك (فيوكي) بالنصب: أي فيقطع (اعليك) مادة الرزق، والجزاء من جنس العمل وهذا مفهوم قوله تعالى:{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}(سبأ: ٣٩) .
(وفي رواية) هي لمسلم في الزكاة من «صحيحه»(أنفقي أو) شك من الراوي (انفحي أو انضحي) قال المصنف: بكسر الضاد المعجمة، والمعنى: أعطي النضح والنفح العطاء، ويطلق النضح على الصبّ فلعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح (ولا تحصي) أي تمسكي المال وتدخريه من غير إنفاق منه (فيحصى) كذا هو في نسخ الرياض بالمبنى للمجهول وفي الزكاة من البخاري ومسلم فيحصي الله (عليك) بذكر الفاعل ولعل حذفه من نسخ الرياض إن لم يكن من سبق القلم من المصنف من تحريف الكتاب: أي يمسك عنك مادة الرزق والبركة فيه ويناقشك الحساب في الموقف، إذ أصل الإحاطة بالشيء جملة وتفصيلاً، وهذا فيه تلف أيّ تلف، فيكون مطابقاً لأعط كل ممسك تلفاً، ويستفاد منه أن الممسك يعاقب بتلف ما عنده وحبس مادة رزقه والبركة فيه ومناقشة الحساب، وقد قال:«من نوقش الحساب عذّب» وهذا أبلغ وأليق بمقام التنفير والتغليظ (ولا توعي) أي لا تمنعي ما فضل عنك عمن هو محتاج إليه (فيوعي)