للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملة من الجاهلية (وإنا إن شاء الله) أتى به للتبرك امتثالا للآية أو تعليق بالنظر للحوق بهم في هذا المكان بعينه أو للموت على الإسلام أو أنّ إن فيه بمعنى إذ كما قيل به في قوله تعالى: {وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: ١٧٥) (بكم للاحقون نسأل الله) استئناف على طريقة أسلوب الحكيم، فإنهم لما سلموا عليهم

ودعوا لهم خبروا أنهم لاحقون بهم، قال لسان حالهم: جئتمونا فلم لا تدعوا لنا بدعاء جامع وتشركوا أنفسكم فيه معنا كما هو السنة؟ فقالوا نسأل الله (لنا ولكم العافية) وهي الأمن من مكره (رواه مسلم) في الجنائز، رواه أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عنه لا في رواية أبي القاسم، ورواه النسائي وابن ماجه.

٤٥٨٤ - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبور بالمدينة، فأقبل عليهم بوجهه) ضمير المذكرين العقلاء باعتبار من فيها من الأموات بتغليبهم على من سواهم. ويؤخذ منه سنّ استقبال وجه الميت بوجه الزائر حال السلام عليه، وظاهر الحديث استمرار ذلك حال الدعاء أيضاً وعليه العمل كما قالوه، لكن السنة عندنا أنه حال الدعاء يستقبل القبلة كما علم ذلك من أحاديث أخرى في مطلق الدعاء، وقدمت على هذا الحديث لاحتمال أنه إنما أقبل بوجهه حال السلام، قال أصحابنا: ويسنّ التأدب مع الميت حال زيارته كما كان يفعل معه حال حياته أي ولو تقديراً بأن أدرك زمنه (فقال: السلام على أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم) وقدم نفسه اهتماما وفيما مرّ إعلاما بأن من أدب الداعي للغير أن يشرك فيه نفسه وأن يقدمها لحديث «ابدأ بنفسك» (أنتم سلفنا) قيل هو مجاز من سلف المال فكأنه أسلفه وجعله ثمنا للأجر المقابل لصبره عليه، وقيل حقيقة لأن سلف الإنسان من مات قبله ممن يعزّ عليه وبهذا سمى الصدر الأول من الصحابة وتابعيهم وتابعي تابعيهم بالسلف الصالح، ومن خص اسم السلف بالتابعين فقد أبعد، والذي دل عليه كلامهم في مواضع ما ذكرنا، وضابطه القرون الثلاثة التي شهد بخيريتها (ونحن

<<  <  ج: ص:  >  >>