عن ابتداء وقوع النظر عليها حال إقبالها أو أنه استعيرت ثم مكان الفاء (ثم سارّها) لعل ما أومت إليه «ثم» من التراخي نظراً إلى أنه قدم قبل ذلك مؤانستها بأنواع من الإكرام وشريف الكلام لئلا يتلقاها بذلك أول ما قدمت عليه وتشرفت بجلوسها بين يديه، والمفاعلة يحتمل أن تكون على بابها ويحتمل أن تكون للمبالغة: أي أخفى الأمر لها مبالغاً في إخفائه عن سواها، ويؤيده كتمها له عن عائشة لما استفسرتها عنه (فبكت بكاء شديداً) لما في ذلك من عظيم المصاب وشدة الهول. وفيه قالت آخراً:
صبت عليّ مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن ليالياً
رضي الله عنها وعنا بها (فلما رأى) أي أبصر (جزعها) بفتح أوليه مصدر جزع الرجل من باب تعب إذا ضعف متنه عن حمل ما نزل به ولم يجد صبراً كذا في المصباح (سارّها) المسارة (الثانية) فهو مفعول مطلق ويجوز إعرابه ظرفاً خبراً لما لحقها وجرياً على ما يبدو من ألطاف المولى سبحانه وتعالى من تعقيب الكسر بالجبر والحزن بالفرح والعسر باليسر (فضحكت فقلت لها) لنسألها عما رأته من آثار الجزع (خصك رسول الله من بين نسائه بالسرار) بكسر أوله مضارع فاعل أيضاً (ثم أنت تبكين) أي ما في ذلك من التكرير، والتخصيص يقتضي الشغل به عن سائر مقتضيات البكاء وهذا من السيدة عائشة رضي الله عنها لكونها لم تعلم ما أسرّ به إليها وإلا فلو علمت ذلك لأسعفتها بالبكاء كما أسعف الصاحبان أم أيمن لما زارراها فذكرتهما بأيام المصطفى (فلما قام رسول الله) أي من ذلك المجلس (سألتها ما قال لك رسول الله؟) يحتمل أن يكون المسئول عنه جميع ما سارها به أولاً وآخراً، ويحتمل أن يكون المسئول عنه الأول ويومىء إلى الأول عموم قول فاطمة رضي الله عنها (قالت ما كنت لأفشي) بكسر اللام وهي لام الجحود والإفشاء الإظهار (على رسول الله سرّه) فإن المفرد المضاف من صيغ العموم (فلما توفي رسول الله) وهو بعد ذلك بزمن (قلت: عزمت عليك بمالي) الباء للقسم الاستعطافي، ويحتمل كونها للسببية (عليك من الحق) إذ هي من أمهات المؤمنين وزوج المصطفى