إن عدم الإضافة ناشىء عن الجلال الذي عليه صلوات الله وسلامه عليه (ولو سئلت أن أصفه) أي أذكر صفة خلقه بفتح الحاء المعجمة (ما أطقت) ذلك لأنه لا يكون إلا عن إمعان نظر من الواصف للذي يريد وصفه، ويمنع منه بالنسبة إليه ما أسبغ عليه من المهابة والجلال المانعين من تحديق البصر فيه كما قال (لأني لم أكن أملأ عيني) بصيغة المثنى أيضاً (منه ولو متّ على تلك الحالة) العظيمة الشأن الدال على ذلك فيها الإشارة إليها بما يشار به للبعيد تعظيماً وتفخيماً (لرجوت أن أكون من أهل الجنة) فيه أن العارف وإن عمل الصالحات ما عمل لا تفارقه خشيته لمولاه قال تعالى:
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}(المؤمنون: ٦٠) وذلك لأنه لم يركن إلى هذه الأعمال الصالحة ويقطع بكونه من أهل الجنة لكونها من أعماله، بل اعتمد على قلبه وأقبل بشراشره ولبه على مولاه راجياً أن ينظمه في سلك من والاه (ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالي فيها) وهذا منه مزيد تواضع لمولاه وإلا فهو من علماء الصحابة، والصحابة كلهم عدول (فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة) وهي الرافعة للصوت بالبكاء مع تعداد الأوصاف كيا جبلاه لأنها ملعونة في السنة ولا ينبغي صحبتها والنياحة حرام (ولانار) وذلك للتفاؤل بالنجاة منها وكراهة لصحبتها للميت كما جاء في الحديث، ثم قيل سبب الكراهة لكونها شعار الجاهلية وقال ابن حبيب المالكي: كره تفاؤلاً بالنار، نعم إن دعا لها داع من تغير الميت ومزيد نتنه ولا تنكسر سورة ذلك عن حامليه إلا بما يبخر به فلا كراهية (فإذا دفنتموني فسنوا على التراب سناً) فيه استحباب صب التراب في القبر فإنه لا يقعد عليه بخلاف ما يعمل في بعض البلاد (ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور) ما مصدرية والجزور بفتح الجيم وضم الزاي: المذبوح من الإبل خاصة وسواء كان ذكراً أم أنثى وجمعه جزر كرسول ورسل وجزران أيضاً ثم يجمع على جزائر (ويقسم لحمها حتى استأنس بكم) أي كي أستأنس بكم (وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) أي من فتاني القبر. وإنما أطلق عليهما صيغة الجمع مجازاً من إطلاقه على ما فوق الواحد. قال المصنف: وفي هذه الجملة من الفوائد: إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين وهو