للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سبب ذلك؟ فقال: لا يتمثل الشيطان بي، يعني ليس ذلك المنام من قبيل أن يمثل الشيطان في خيال الرائي ما يشاء من التخيلات، قال: وهل هذا مختص بالنبي أولاً؟ قال بعضهم رؤية الله تعالى ورؤية الأنبياء والملائكة عليهم السلام ورؤية الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث لا يتمثل الشيطان بشيء منها، وذكر المحققون أن ذلك خاص به، وقالوا في ذلك: إنه وإن ظهر بجميع أحكام أسماء الحق وصفاته تخلقاً وتحققاً، فإن من مقتضى مقامات رسالته ودعوته الخلق إلى الحق أن يكون الأظهر فيه - حكماً وسلطنة من صفات الحق وأسمائه - صفة الهداية والاسم الهادي، فهو صورة الاسم الهادي ومظهر صفة الهادي، والشيطان مظهر اسم المضلّ والظاهر صفة الضلالة فهما ضدان ولا يظهر أحدهما بصفة الآخر، فالنبي خلقه الله للهداية، فلو ساغ لإبليس التمثل بها لزال الاعتماد بكل ما يبديه الحق ويظهره لمن يشاء هدايته، فلذلك عصم الله صورة النبي من أن يظهر بها شيطان، وإنما لم يمنع الشيطان من مثل ذلك في حضرة الحق وهو أعظم عظماً وجلالاً، فقد وقع أنه أضلّ قوماً بقوله أنا الله، فظنوا أنهم رأوا الحق وسمعوا خطابه، لأن كل ذي عقل يعلم استحالة الصورة في حقه تعالى فلا يحصل الاشتباه من

صورة إبليس بصورته، وقوله فيها أنا الله بخلاف النبي فإنه ذو صورة مشهورة فاقتضت الحكمة ما سبق، ولأن مقتضى حكم الحق أن يضف وأن يهدي بخلاف النبي فهو مقيد يوصف الهداية وظاهر بصورتها فوجب عصمة صورته أن يظهر بها شيطان لبقاء الاعتماد وظهور حكم الهداية فيمن شاء الله تعالى هدايته به اهـ. وقال الحافظ في «الفتح» : اختلف في معنى قوله «فسيراني في اليقظة» فقيل معناه: سيرى تفسير ما رأى في اليقظة لأنه غيب ألقي فيه. وقيل معناه: سيراني في القيامة: أي رؤية خاصة من القرب منه أو نحوه من الخصوصيات، ولا مانع من أن الله تعالى يعاقب بعض عصاة المؤمنين يوم القيامة بمنعه رؤيا النبي مدة، وقد قال ابن التين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائباً عنه فيكون مبشراً له أنه لا بد من رؤياه له يقظة قبل الموت. وقال قوم: هو على ظاهره فيمن رآه مناماً فلا بد أن يراه يقظة بعيني رأسه، وقيل بعيني قلبه حكاهما ابن العربي. وقد نقل عن جمع من الصالحين رؤياه مناماً ثم رأوه بعد ذلك يقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى النجاة من ذلك وجاء الأمر كذلك، وهذا نوع من كرامات الأولياء وأكثر من يقع له ذلك، وقد صرح بوقوع هذه الكرامة جمع منهم الغزالي وابن العربي وابن عبد السلام، وفي كون

<<  <  ج: ص:  >  >>