للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمفعول (تبعه البصر) أي إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظراً أين نذهب. قال الحافظ: وفي فهم هذا المقام دقة لأن البصر إنما يبصر ما دام الروح في الجسد، فإذا فارقه تعطل كغيره من الإحساس، والذي ظهر لي فيه بعد النظر ثلاثين عاماً أنه محمول على أن المراد خروج الروح من أكثر الجسد مع بقائه في الرأس والعين، فإذا خرج الأكثر من الفم ولم يخرج الباقي نظر البصر إلى القدر الخارجي فيكون معنى قوله إذا قبض أخذ في القبض ولم ينته، أو على ما ذكر كثير من العلماء من أن للروح

اتصالاً بالبدن وإن خرجت فترى وتسمع وترد السلام، فيكون هذا الحديث من أقوى الأدلة لذلك اهـ ملخصاً. وفيهما نظر إذا الأول مجاز والثاني إنما فيه بقاء إدراك حاسة البصر الذي الكلام فيه وفي شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي يحتمل أن المراد من قوله تبعه البصر أن القوة الباصرة تذهب عقب خروج الروح فحينئذ تجمد العين ويقبح منظرها، ويحتمل أنه يبقى فيه عقب خروج الروح شيء من البخار الغريزي فيشخص بذلك ناظراً إلى أين تذهب. ولا بعد في هذا لأن حركته حينئذ قريبة من حركة المذبوح، ويحكم على الإنسان مع وجودها بسائر أحكام الموتى اهـ. والأول من وجهية أقرب، وقد سبقه إليه التوربشتي في «شرح المصابيح» ، وعلل الإغماض بوجه آخر فقال: ولذا أغمض لذهاب فائدة الانفتاح بذهاب البصر عند ذهاب الروح، وذكر احتمالاً ثانياً هو أن من حضره الموت ينظر إلى روحه نظر شزر لا يرتد إليه طرفه حتى تضمحل بقية القوة الباقية بعد مفارقة الروح الإنساني الذي يقع به الإدراك والتمييز دون الحيواني الذي به الحس والحركة وغير مستنكر من قدرة الله تعالى أن ينكشف عنه الغطاء ساعتئذ حتى يبصر ما لم يكن يبصر، وهذا الوجه في حديث أبي هريرة أظهر، وهو أيضاً صحيح أخرجه مسلم في «صحيحه» عنه مرفوعاً «ألم تروا أن الإنسان إذا مات شخص بصره، قالوا بلى؟ قال فذلك حين يتبع بصره نفسه» اهـ (فضج) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الجيم أي رفع الصوت بالبكاء وصاح (ناس من أهله) من هول ما سمعوا ووقع منهم دعاء على أنفسهم كما أومأ إليه بقوله (فقال لا تدعو على أنفسكم

<<  <  ج: ص:  >  >>